جنّتيهم اللتين فيهما أنواع الفواكهة العذبة الحلوة (جَنَّتَيْنِ) أخراوين وسمّاهما جنّين لازدواج الكلام كما قال : ومكروا ومكر الله ، فمن اعتدى عليكم : فاعتدوا عليه (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) : تثنية ذوات مفرد على الأصل ، والأكل : الثمر ، وما يؤكل ، والخمط : الثمر الذي في غاية المرورة ، والبشع. وقال القمّي : هو أم غيلان الشجر المعروف ومنه كثير في طريق مكّة والخمط كلّ نبت فيه مرارة ، أو الأراك (وَأَثْلٍ) وهو شجر يقال له الطرفاء لا ثمر له ، ووصف السّدر في الآية بالقلّة لأنّ ثمره وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين. والحاصل أنّ أهل سبأ لمّا كفروا بنعم الله وأعرضوا عن شكرها ولم يسمعوا قول أنبيائهم زالت عنهم النّعم وبدّلت بالنّقم.
١٧ ـ (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ...) أي ذلك التبديل بكفرانهم النعمة ، و (ما) مصدريّة ، أو بسبب أنهم كفروا برسلنا الذين أرسلناهم إليهم وكانوا ثلاثة عشر نبيّا (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي أن أخذ النعم والجزاء بالحرمان منها منحصر بمن يكفر منهم بنعمنا ، ومن يشكرها نزد له فيها ثم إنه بعد هلاك جماعة كثيرة بالسّيل ممن كفروا بنعم الله جاء أهل سبأ الباقون إلى نبيّهم وقالوا له : يا نبيّ الله نحن عرفنا بأن النّعم جميعها كانت من الله تعالى ، ولو أعطانا بعد ذلك نشكره على نعمه شكرا ما فعلته إلى الآن أمّة من الأمم السّابقة فلما تابوا عن كفرانهم تاب الله عليهم وفتح أبواب نعمه الموفّرة عليهم كما يقول سبحانه :
١٨ ـ (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى ...) أي بين الباقين من أهل سبأ وبين القرى (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بكثرة المياه وأشجار الفواكه المختلفة والزّروع والنّباتات التي كانت موجبة لسعة الرزق. والمراد منها هو قرى الشام أي فلسطين والأردن وأريحا وأيلة (قُرىً ظاهِرَةً) أي متظاهرة متواصلة كلّ واحدة مع الأخرى بحيث كانوا يرى أهل القرية أهل القرية الأخرى. وبالجملة كان من قصّتهم أنّا جعلنا بينهم وبين الشام التي باركنا