بالعذاب يوم القيامة. يعني أن الكفرة قاسوا أمر الآخرة بأمر الدّنيا ، فكما أنّهم في الدنيا متنعّمون ، فهم كذلك في الآخرة لأنهم زعموا أن تنعّمهم في الدنيا حصل لهم لكونهم عبادا مكرمين ومحبوبين عند الله تعالى ففي الآخرة هم كذلك. والحاصل أن المترفين أصل في العناد والإضلال والضّلالة في كل قوم وفي كلّ عنصر وزمان.
٣٦ ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ ...) هذه الكريمة ردّ لحسبانهم الفاسد وزعمهم السخيف. أي قل لهؤلاء المترفين الجهلة : إن الله تعالى يوسّع الرزق ويضيّقه بحسب المصالح والحكم التي يراها وهو عالم بها ، لا لكرامة بعض وهوان آخر كما زعمه الجهلة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لا يدرون ولا يدركون ذلك ، ويحسبون أن كثرة الأموال والأولاد لشرف الإنسان وكرامته ، في حين أنّهما ربما كانا لهوانه ولاستدراجه وقد صرّح سبحانه بهذا المعنى بقوله :
٣٧ ـ (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ...) قربى أو : تقرّبا. وزلفى وزلفة نحو قربى وقربة في محلّ النّصب بتقرّبكم كقوله أنبتكم نباتا (إِلَّا مَنْ آمَنَ) استثناء من ضمير الخطاب والتقدير : الأموال والأولاد لا تقرّب أحدا منكم (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) بإنفاق ماله في سبيل الله ، وتعليم ولده الخير والصلاح وإرشادهم إلى طريق الهدى لا إلى ما فيه الضلالة والخسران كعصرنا هذا حيث نوقفهم بأيدينا في المهالك والمواقف الخطرة وبالنتيجة ننصّرهم ونهوّدهم ونمجّسهم كما في الرواية أعاذنا الله سبحانه من شرّ أنفسنا (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) أي يجازون الضّعف إلى العشر وزيادة إلى سبعمائة كما في الحديث ، وإضافة الجزاء إلى الضّعف من إضافة المصدر إلى مفعوله (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) أي في القصور السّامية العالية مأمونون من جميع المكاره والآلام. وفي القمّي عن الصّادق عليهالسلام وقد ذكر رجل الأغنياء ووقع فيهم فقال له عليهالسلام : اسكت فإنّ الغنيّ إذا كان وصولا برحمه بارّا بإخوانه