النبيّ إما باعتبار بيانه ومنه إنّ من البيان لسحرا ، وإمّا باعتبار أن السّحر مصدر بمعنى السّاحر وبهذا الاعتبار أيضا كونه ساحرا بزعمهم بلحاظ غرابة كلامه ولطافته المؤثّرة في القلوب المحوّلة إيّاها من حال إلى حال كالسّحر ، ويسمّى هذا بالسّحر الكلامي ، وإلى القرآن باعتبار ألفاظه أو إعجازه. وإسناد الإفك إليه بلحاظ معانيه ، وإلى الإسلام لجهة مبانيه المتقنة وقواعده المحكمة التي يرغب فيها كلّ من تفكّر وتدبّر ، ويرغب ويميل إليها قهرا وبلا اختيار كالسّحر. وفي التصريح بكفرهم وحصرهم الحق في السّحر مبادهة وبلا تأمّل أبلغ إنكار وتعجيب من أمرهم ثم أخبر سبحانه أنّهم لم يقولوا ذلك عن برهان بل محض تقليد وعناد فقال عزّ من قائل :
٤٤ ـ (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ ...) أي ما أعطينا مشركي قريش كتبا قط يتعلّمون درسها حتّى يعلموا أن ما جئت به حق أو باطل ، سحر أو معجزة ، وإنما يقولون ما يقولون من تكذيبك وإنك ساحر أو مجنون بهوى أنفسهم لا عن علم ومعرفة فيصحّح لهم الإشراك وقول ما يقولون فيك (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أي ما بعثنا قبلك من رسول ينذرهم سوء عاقبة الشّرك ويدعوهم إلى تركه لكي يصحح اشراكهم ويكون حجّة لهم ، فمن أين وقعت لهم هذه الشبهة فتمسّكوا بها وأصرّوا عليها ولم يدعهم إليها أحد؟
٤٥ ـ (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي كذّبوا الأنبياء والرّسل الذين كانوا قبلهم من الأمم كما يكذّبك هؤلاء من أمّتك (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) أي ما بلغ قومك عشر ما آتينا أولئك من القوّة وطول العمر والمال (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) أي الذين كانوا قبل قومك كذّبوا رسلهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي انظر إنكاري عليهم بالتّدمير والإهلاك ، فليحذر أهل مكة مثله. وليس في التكذيب تكرير فإن الأوّل مطلق والثاني مقيّد. وقيل إن