العدم. فهو تعالى شاقّهما لا شاقّ العدم لإخراجهما منه. ويحتمل أن يكون من فطره يفطره فطرا أي خلقه والمعنى : خالق السّموات والأرض وموجدهما ومبدعهما ومبتدئهما على غير مثال ، ويؤيد هذا الاحتمال قوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) ففطر الله الخلق من باب خلق أي خلقهم ، والاسم الفطرة بالكسر الخلقة. وعن ابن عباس كنت لا أدري ما فاطر السّماوات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها ، أي ابتدأتها واخترعتها ، فعلمت أن فطر كان معناه ابتدأ واخترع (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) أي وسائط بين الله وأنبيائه والصالحين من عباده ، ويبلّغون إليهم رسالاته بالوحي إلى الأنبياء وبالإلهام إلى الأولياء والأوصياء وبالرؤيا الصّادقة إلى المؤمنين ، أو وسائط بين الله وخلقه في إيصال آثار صنعه إليهم وإيصال الفيوضات إليهم (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى) ، الآية ... الجملة صفة للملائكة. واختلاف الأجنحة لتفاوت مراتبهم ، وإعطاؤها لتسهيل النّزول والعروج ، وللتسريع فيما يؤمرون به. وليس ذكر هذه الأعداد للحصر بل لبيان المثل ، ويدل على عدم الخصوصية لهذه الأعداد وعدم بيان الحصر قوله : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) وقول ابن عباس عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنه قال : رأيت في ليلة المعراج جبرائيل كان له ستمائة جناح. ثم بيّن سبحانه إحسانه على عباده بقوله :
٢ ـ (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ...) يعني إن الله تعالى لو أراد لعباده الخير وأن يفتح لهم باب رحمته (فَلا مُمْسِكَ لَها) أي لا يقدر أحد أن يعبده ويمنع خيره ورحمته النازلة إليهم من عنده سبحانه (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي ما يحبسه ويمنعه من نعمه ورحماته كنعمة الأمن في البلاد وغيرها والصحة والعلم والنبوّة والولاية فلا يتمكّن أحد أن يرسلها ويجيء بها من عنده ومن تلقاء نفسه (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد إمساك الله سبحانه ومنعه ، لأنها أمور ليست تحت قدرة البشر واختيارهم لأن إرسال الرّسل من أعظم النعم وقد وجدت في بعض كلمات أفلاطون الحكيم أن إرسال الرسل وبيان الناموس للخلق من أعظم النعم وأنه من