وخلق لكم أنواع الملاذّ. والنّعم مع كثرتها منحصرة في قسمين : نعمة الإيجاد ، ونعمة الإبقاء ، ولذا قال : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) إشارة إلى نعمة الإيجاد في ابتداء الوجود ، ثم قال : (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) إشارة إلى نعمة الإبقاء بالرّزق إلى الانتهاء. وهذا استفهام تقرير لهم ، ومعناه النفي ، ليقرّوا بأنّه لا خالق إلّا الله يرزق من السّماء بالمطر ومن الأرض بالنبات (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فأين تتوجّهون وتنصرفون عن التّوحيد إلى إشراك غيره معه؟ ثم إنه تعالى يسلّي نبيّه عن تكذيب قومه له فيقول :
٤ ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ...) أي إن نسبك أهل مكة إلى الكذب (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فتأسّ بهم في الصّبر على تكذيبهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازيك على الصبر ويجازيهم على التكذيب. ثم إنه تعالى يحذّر الناس من الغرور بحطام الدنيا الذي يستلزم الغفلة عن الآخرة ويخوّفهم من مكر الشيطان وخدعه فيقول :
٥ و ٦ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ...) أي وعده بما أرسل رسله به من البعث وما يتلوه ، فهو حقّ لا ريب فيه ولا خلف (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فلا تغشّنكم فيلهيكم التمتّع بها عن السعي في طلب الآخرة التي خلقتم لها بمقتضى قوله خلقتم للبقاء لا للفناء والباقي هو الآخرة والدّنيا فانية (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي لا يخدعنّكم عن طاعة الله وكرمه ومغفرته الشيطان الخدّاع بأن يمنّيكم المغفرة مع حمله إياكم على الإصرار على المعصية والجريرة نعوذ بالله منه. (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة قديمة وهو يدعوكم إلى ما فيه الهلاك والخسر ويصرفكم عن أفعال الخير ويدعوكم إلى أعمال الشر وترك القربات (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) لا تطيعوه واحذروه في عقائدكم وأفعالكم وجميع أحوالكم. وليعلم أن من حيله