وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١))
٨ ـ (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ...) أي هل إنّ من يعمل عملا سيّئا ويعتقد أن عمله حسن ، هو كمن لم يزيّن له سوء عمله فينظر إلى ما عمله فيراه غير حسن وأنّ عليه أن يجدّ ويجتهد في تحرّي الأمور حتى يعرف الحقّ ويعمل بموجبه؟ ... ليس الأمر كذلك. فقد حذف الجواب الذي هو (كمن لم يزين له حسن عمله) أو (كمن اهتدى بهدى الله) فإن هذا التقدير أحسن وأنسب لدلالة ما بعده عليه وهو قوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فالمراد بمن يضلّه الله هو الذي ما شمله اللّطف والعناية الرّبانيّة لفرط عناده وغاية جحوده ، ولذا كان لا يميّز الحسن من القبيح ويرى ما يفعله ويعتقده من القبائح كالشّرك والتكذيب حسنا ، وما يتركه بزعم أنه قبيح كالإيمان بالله تعالى والتصديق لنبيّه يكون في الواقع حسنا ، بخلاف المهتدي بهدايته سبحانه فإنه مشمول بألطاف الله تعالى ومراحمه ، وهو لا يزال متفحّصا عن الحق والحقيقة ويكون الحق نصب عينيه ، فبهدى الله يهتدي ، وبعنايته يوفّق للتميز بين الحق والباطل والحسن والقبيح فيتّبع الحسن فالأحسن ، ويترك القبيح بجميع مراتبه. والحاصل أنّه تعالى يخذل من لا ينفعه اللّطف ، ويلطف بمن ينفعه. وفي الكافي عن الكاظم عليهالسلام أنه سئل عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال : للعجب درجات : منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنّه يحسن صنعا (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) وذهاب النفس كناية عن هلاكها. أي لا توقع نفسك في المهلكة لأجل الحسرات عليهم وعلى غيّهم وإصرارهم على تكذيبك. والحسرة شدّة الحزن على ما