إذا دخلت على الماضي دلّت على الإثبات والدّوام ولذا فهي مقرّبة له منه. ثم إنه تعالى لما اطّلع على أن المؤمنين كانوا راجين للفوز والنجاة ، بشّرهم بذلك بتصدير تلك السّورة بقوله : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ، وأخذ في بيان أوصافهم ، فبدأ بالصّلاة التي هي من أهمّ الطاعات فقال تعالى :
٢ ـ (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ ...) فابتدأ بهذه الصفة الشريفة فقال : الذين هم في صلاتهم (خاشِعُونَ) فيستفاد أن المطلوب في الصلاة هو صفة الخضوع والخشوع ، أي التوجّه التام إلى المعبود الحقيقي ، وهذا هو الذي عبّر عنه في الروايات بروح الصّلاة وقال بعض الأكابر من المحققين : إن المصلّي لا بدّ أن يتوجه إلى معبوده بحيث لا يرى إلّا إياه حتى لا يرى نفسه ، ولذا جاء في الخبر الصحيح أنّ أمير المؤمنين في يوم أحد أصابته سهام كثيرة ومن غاية الوجع كانوا لا يقدرون على إخراجها فوصل الخبر إلى فاطمة الزهراء (ع) فقالت : إذا شرع في صلاته فاعملوا به ما شئتم. فلما دخل في الصلاة جاؤوا بجرّاح فأخرجها من بدنه الشريف ولما فرغ من صلاته رأى الدماء على مصلّاه فسأل منه فبيّنوا له الأمر ، فقال بأبي وأمّي فو الله الذي نفسي بيده ما التفتّ في أيّ زمان شرعتم وأيّ وقت فرغتم. وهذه هي حقيقة الصلاة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وعن النبيّ صلوات الله عليه أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته ، فقال : أما إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه فيستفاد من هذا أن الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح كلّها.
٣ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ...) اللغو كلّ كلام ساقط حقّه أن يلغى كالكذب والشتم والهزء والغناء والملاهي ، فالمؤمنون لا يقاربون اللّغو فضلا عن فعله.
٤ و ٥ و ٦ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ...) أي مع إيمانهم وإقامتهم للصلاة وبعدهم عن اللّغو والباطل ، هم يؤتون الزكاة لمستحقيها ، و (هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) يحفظون أنفسهم من تعاطي الزّنى والمحرّمات الجنسية