النازلة من السّماء ومن الأموات والحشرات ونحوها ، وما يخرج منها النباتات والأشجار والأنهار والمعادن والأبدان (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) وغيرها ، أخذ سبحانه بذكر الدلائل الأنفسيّة فقال :
١١ ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ...) إمّا باعتبار كون البشر تولّدوا من آدم عليهالسلام وهو مخلوق من التراب ، وإمّا باعتبار أن بني آدم وإن كانوا من النّطف إلّا أن النّطف مبادئها الأغذية التي هي في مناهيها من التراب ، فبنو آدم أولهم من التراب وهم مخلوقون منه كأبوهم. فضمير الجمع في صدر الآية لعلّ بهذا الاعتبار. وأما قوله بعد ذلك (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) فهو باعتبار نسل آدم عليهالسلام على ما هو المتعارف المعتاد (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي أصنافا متنوّعة ذكرانا وإناثا كقوله (يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) ويؤيّده قوله (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي ذلك معلوم له تعالى لا لغيره وهو من الغيب الذي اختصّه بذاته المقدسة حتّى أن والأمّ الحامل لا تعلم منه شيئا (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) أي ما يزاد في عمر من يطول عمره ، وما ينقص من عمره إلّا في ينقص من عمره ثابت ومتحقّق في كتاب علمه سبحانه لعله اللوح المحفوظ ولا يعلمه غيره تعالى ، وهو مما اختص به وحده (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي ما ذكر من الحفظ والنقص والزيادة والخلق فإنّه كله سهل عليه جلّ وعلا.
* * *
(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ