١٨ ـ (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ...) أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، بل (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) وأمّا قوله سبحانه : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) فإنه قول صدر بحقّ الضالّين المضلّين لغيرهم فإنّهم يحملون أثقال إضلالهم للآخرين مع أثقال ضلالهم ، وكلّ ذلك أوزار لأنفسهم وليس فيها شيء من أوزار غيرهم (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) أي تطلب نفس مثقلة بالذنوب (إِلى حِمْلِها) إلى أن يتحمّل عنها الآخرون شيئا من ذلك الحمل (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كان المدعوّ إلى التحمّل صاحب قرابة بالنسبة إلى الدّاعي كابنه وأبيه وأخيه وأمّه رغم إشفاق هؤلاء الأقارب عليه.
وعن ابن عباس أنه قال : يوم القيامة يقول كل واحد من الأب والأم لابنه احمل عنّي وزرا واحدا فيقول الولد حسبي ما عليّ فأنت (تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي الخائفين من بطشنا وعذابنا مع أنه غائب عنهم ولم يرده ، فهم يصدّقون ربّا رأوه بعين عقولهم وآمنوا به وخافوا عذابه ، غائبين عن عذابه. وهذا كقوله (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) يعني إنذارك لا ينفع إلّا الذين يخشون ربّهم في خلواتهم وغيابهم عن الخلق ، أو لا ينفع إلّا الّذين هم من أهوال القيامة خائفون مع أنهم ما رأوا الأهوال ولا العذاب لكنهم معتقدون بها (وَمَنْ تَزَكَّى) أي طهّر نفسه عن دنس المعاصي والأوزار (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) أي نفعه عائد إلى نفسه لا إلى غيره. وهذه الجملة معترضة مؤكّدة للخشية وإقامة الصّلاة. فإنّهما من شعب التزكية (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي هو تعالى يجازيهم على تزكيتهم فإنهم صائرون إليه.
* * *