بحسب الأنواع الثلاثة ، وإذا كان المراد من الاختلاف هو الاختلاف بين أفراد كلّ واحد من الأنواع بمعنى أن كل فرد من أفراد الإنسان لونه غير لون الفرد الآخر ، فكذلك يختلف هذا الفرد مع الفرد الآخر في أوصاف أخر غير اللّون أيضا من حيث الأوصاف الظاهريّة. فالاختصاص لماذا؟ فيقال : يمكن أن يكون من باب أن تمييز كل صنف من الآخر يكون غالبا باللّون كتمييز الأسود من الأبيض أو من الأحمر أو الأصفر باللّون. نعم إن أفراد كل صنف تميّزها غالبا بالصّور وقد يكون باللّون وغيره.
والحاصل أنّ هذه الأشياء كما أنها في أنفسها دلائل ، فهي كذلك في اختلافها لونا ، وفي الثمرات طعما وريحا ولونا ... ثم إنّه تعالى بعد بيان قدرته على خلق الأشياء المختلفة الذّوات والألوان وغيرها قال عزّ من قائل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وجه مناسبة تعقّب هذه الجملة لما قبلها من آيات القدرة أن الخشية منه تعالى دليل معرفته ، ولذا نرى أنّ كلّ من كان أعرف بذاته المقدّسة كان أخشى له وأطوع. فنرى أن النبيّ إبراهيم وأمثاله صلوات الله عليهم إذا قام في محرابه سمع من صدره صوت كصوت القدر حينما يغلي فيها الماء ، من خشية ربّه. وإذا حضر وقت الصّلاة كان نبيّنا صلىاللهعليهوآله يتغيّر لونه الشريف إلى الصّفرة والحمرة وكان مثل الذي في حال نزعات الموت من كثرة الخشية وكان أثناء صلاته وتسبيحه يسمع له أزيز كأزيز المرجل ، وكان وصيّه أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا هيّأ نفسه القدسية لإقامة الصّلاة لا يلتفت يمينا ولا شمالا بل تنزع حينئذ من جبينه الشريف النّبال التي كانوا يرمونه بها في الحروب ولا يتأثّر بذلك لكمال توجّهه إلى ربّه وغاية توغله في ذاته ونهاية خوفه منه تعالى. وكان يغشى عليه في مناجاته ويصير أثناءها كالخشب اليابس ، وكان ولده الصادق عليهالسلام لا يقدر على التّلبية ويقول : أخاف من ربّي أن يقال لي : لا لبيّك ولا سعديك ، ولم يزل كذلك حتى ظنّ أنه يكاد يختنق لدوران نفسه