الشجرة أن الآخذ هو المنكر ، فتعجّبوا جميعا. لكنّ القاضي قد أحسّ بأنّ الصوت صوت إنسان من ناحية ، ومن ناحية اخرى قال في نفسه : هذا الإنسان ماذا يفعل في جوف الشجرة؟ فأمر بإحراق الشجرة حيث رأى صدور أمر خارق للعادة في الشجرة وهو النطق أو لعلّ خطر بباله أنّ هذه الشجرة تصير بعد ذلك معبودا للعوامّ الذين هم كالأنعام. فلمّا وصلت النار إلى جوف الشجرة خاف الرجل من الحرق ونادى بصوت عال : أيّها الناس ادركوني قبل أن أحترق ، فأخرجوه ، فاستخبره القاضي فأجابه بما جرى بينه وبين أخيه السارق ، فافتضح الماكر بمكره السّيء ، فأمره القاضي بإحضار المال وأعطاه للآخر وأمر بقطع يد السارق فوقع في جبّ حفره لأخيه (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) أي هل ينتظرون؟ وهذا الاستفهام بمعنى النفي ، يعني لا ينتظرون إلّا ما جرت به عادة الله في الأمم الماضية من الإهلاك حينما كذّبوا رسلهم ، ونزول العذاب عليهم جزاء على كفرهم فهم إن كانوا ينتظرون غير ذلك (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي تعويض العذاب بالثواب هو خلاف ما جرت به عادة الله وكذلك العكس (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) أي لن تجد نقل العذاب عن مستحقّه إلى غيره يعني من المكذّبين الماكرين إلى غيرهم حيث إن السنّة جرت على عدم التحويل ، وهذه السنة لا تتغير ولا تتبدل والفرق بين التبديل والتحويل ظاهر ومبان فإن الأول هو إعطاء الشيء وأخذ العوض عنه ، والثاني عبارة عن نقله من موضع إلى آخر. وبعبارة أخرى : الأول عبارة عن التعويض في ذات الشيء كتبديل الحنطة بالشعير والخوف بالأمن ، والثاني عبارة عن التعويض المكاني أي تغيير مكان الشيء. وإلّا فالشيء في المكان الثاني هو نفس الشيء في المكان الأوّل كتحويل زيد من دار إلى أخرى ، فلا تكرار في الجملتين. ولو فرض التكرار فللمبالغة في تهديد المسيء الماكر.
٤٤ ـ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) الاستفهام للإنكار يعني لا بدّ لهم من السّير في الآفاق (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هذه