وعشرين سنة أو أكثر بمراتب كثيرة من المدّة المزبورة ومن بعد الموت والفناء من تلك الدار الفانية إلى زمان البعث ويوم الحشر وهو يوم البقاء إلى ما شاء الله فكان العطف بثمّ على ما ينبغي لأنه الموضوع لإفادة التّراخي. فمثل تلك النكت والرموز في الآيات المباركة أكثر من أن تحصى. اللهمّ نبّهنا وفهّمنا ما في كتابك من الأمور الدّقيقة اللّطيفة.
١٧ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ ...) أي سبع سماوات ، جمع طريقة ، لأنها طرق الملائكة على ما قيل. أو المراد سبع طبقات بعضها فوق بعض وتسمّى الطبقة التي فوق طبقة أخرى طريقة (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) أي المخلوق جميعا لم نكن (غافِلِينَ) أي تاركين تدبيرهم.
١٨ ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ...) أي بمقدار يوافق المصلحة ، أو بتقدير يعمّ نفعه ويؤمن ضرره (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أي أثبتناه فيها مددا للينابيع والآبار (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) أي إذهابه وإفنائه بتصعيد أو تعميق بحيث يتعذّر الاستفادة منه واستخراجه واستنباطه. ولو فعلناه لهلك جميع الحيوانات ولفنيت النباتات ، فنبّه سبحانه بذلك على عظيم نعمته على خلقه بإنزال المطر من السّماء وإثباته في الجبال وهي منابع المياه.
١٩ ـ (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ ...) أي أوجدناها بالمطر وانّما خصّ النخيل والأعناب لأنّها ثمار الحجاز من المدينة والطّائف فذكّرهم بالنّعم الّتي عرفوها وهي النخيل والأعناب. ولكثرة منافع هذين النوعين للناس فإنهما يقومان مقام الطعام والإدام ومقام الفواكه رطبا ويابسا (لَكُمْ فِيها فَواكِهُ) اي في الجنات الفواكه الكثيرة من أصناف مختلفة.
٢٠ ـ (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ ...) أي وانشأنا لكم بذلك المطر شجر الزيتون ، وخصّ بالذكر لما فيه من العبرة بأنه لا يتعاهده إنسان بالسّقى. وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدّهن الذي تعظم به المنفعة. والطّور اسم جبل ، وسيناء اسم للمكان الذي به هذا الجبل في أصحّ