واحد وشريعة واحدة ومتوحدة على التوحيد (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي ليس لكم ربّ سواي فكونوا متّحدين ومتّفقين عليّ ولا تتفرّقوا عن عبادتي (وَأَنَا رَبُّكُمْ) إلهكم وخالقكم جميعا (فَاتَّقُونِ) فخافوني في الاختلاف وشقّ العصا فيما بينكم وفي النزاع بكلمة التوحيد ، ولا تتفرّقوا في شرعكم وفي أحكامه التي جاءكم بها رسلي واسمعوا قولهم وأطيعوا أوامرهم ونواهيهم لأنهم يؤدّون عنّي.
* * *
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))
٥٣ ـ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً ...) أي أنهم مع تلك الوصايا والبيانات الكافية بوحدة الكلمة في أمر الدّين ، ولا سيّما في التوحيد ، فإنّهم من شدة اختلافهم جعلوا دينهم أديانا مختلفة وطوائف متنازعة ، وزبرا : أي قطعا قطعا ، استعيرت من زبر الحديد ، فصار (كُلُّ حِزْبٍ) كل فريق منهم (بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) مسرورون بما اتّخذوه دينا لأنفسهم ، وتحزّبوا له وأعجبوا به ورأوا أنفسهم هم المحقّين ، وغيرهم على الباطل. وفي القمي قال : كلّ من اختار لنفسه دينا فهو فرح به كمشركي العرب وكالمجوس واليهود والنصارى والصابئين وغيرهم. ثم انه تعالى قرّعهم على ذلك الاختلاف ووجّه إليهم الوعيد والتهديد فقال :
٥٤ ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ...) أي اتركهم ودع هؤلاء الجهلاء في جهلهم الذي شبّهه سبحانه بغمرات المياه ، أي معظمها وكثيرها المتلاطم الذي يغمر القامة ويغطّيها ، فخلّهم في نزاعهم وحقدهم وتحاسدهم إلى حين : أي إلى وقت يقتلون فيه أو يموتون ، أو إلى وقت بعثهم وزمان حشرهم.