والخيرات المذكورة الّتي كلّفنا العباد بها ليست بأمور شاقّة خارجة عن طاقة البشر ووسعهم فان التكليف بها مذموم قبيح ونحن لا نأمر به ومنزهون عنه بل هي أمور سهلة دون الطاقة والوسع. فهذه تحريض على ما هو المتصف به الصّلحاء والأبرار وترغيب للنفوس بأن تهفو إلى إتيانها حتى يعتادوا ويتصفوا بها وقد تأبى النفوس من تحمّل التكاليف حيث إنها ثقيلة على عامّة البشر ، ومن هنا سمّي تكليفا من الكلفة (وَلَدَيْنا كِتابٌ) أي صحيفة الأعمال أو اللّوح المحفوظ (يَنْطِقُ بِالْحَقِ) يبيّن الحق ويشهد بالصّدق فيما كتب فيه من أعمال العباد أو جميع أمورهم معادا ومعاشا (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقصان الثواب أو بازدياد العقاب على مقدار استحقاقهم.
٦٣ ـ (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا ...) كلمة (بَلْ) إضراب عمّا سبق وردّ له وابتداء الكلام. والمعنى أن قلوب الكفار في غفلة شديدة من هذا الكتاب المشتمل على الوعد والوعيد وهو القرآن. وقيل في جهل وحيرة غامرة لها ومحيطة بها اي انهم في غاية الغفلة (مِنْ هذا) اي مما وصف به هؤلاء ، أو من كتاب الأعمال ، أو من القرآن (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) سيّئة خبيثة (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي سوى ما هم عليه من الشّرك (هُمْ لَها عامِلُونَ) لا يتركونها فإنهم معتادون على فعلها.
٦٤ ـ (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ ...) أي إلى أن نأخذ متنعّميهم (بِالْعَذابِ) في الآخرة أو القتل ببدر أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال اللهم اشدد ووطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. أي خذهم أخذا شديدا. فابتلاهم بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحروقة والقذر والأولاد (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي يصرخون بالاستغاثة والدعاء لينجّيهم.
٦٥ ـ (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ...) أي لا تصرخوا أو لا ترفعوا أصواتكم بالاستغاثة (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي قيل لهم : لا تمنعون منّا أو لا يأتيكم نصر من ناحيتنا فنحن لا ننفعكم بعد تمام الحجة والبيان.