قالوا لو أنّ عندنا ذكرا من الأوّلين لكنّا عباد الله المخلصين ، فإذا أتيناهم بما فيه ذكر من الأوّلين وهو القرآن الذي فيه علم الأوّلين والآخرين (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) أي تاركون له وراء ظهورهم ، قد كذّبوا به. وفي الحقيقة أعرضوا عن شرفهم وفخرهم وما فيه خيرهم الدنيويّ والأخرويّ وذلك هو الخسران المبين.
٧٢ ـ (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ...) أي أجرا أداء الرّسالة فكان هذا ثقلا عليهم ، فلا يتحمّلونه فينفرون عن قبول الدّين والإيمان بك. فالاستفهام للإنكار ، أي ليس الأمر كذلك فإنك لست محتاجا إلى سؤال الخرج عنهم حيث إنّ خرجك على الله (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) والتّعبير عمّا نسب إليه بالخراج لأن فيه إشعارا بكثرته ولزومه ولذا غلب استعماله فيما يضع الإمام على الأرض أو يقاطعه مع الرّعايا وهو أمر معتنى به وكثير بخلاف الخرج فانه ما يخرجه الإنسان من ربحه ويعطى للغير وهو ـ نوعا ـ قليل ولا يعتنى به كما هو المشاهد المحسوس في الأسواق وغيرها. وزيادة المباني معروفة تدل على زيادة المعاني وجهته الخيرية لسعته ودوامه وعدم المنّة فيما يعطيه الخالق سبحانه وتعالى. والمراد بخراج الربّ هو رزقه الدنيوي وثوابه الأخروي (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) هذا تقرير لخيرية خراجه كما قررناه آنفا ـ وفي هذا دلالة على أن في العباد من يرزق غيره بإذنه جلّ وعلا ولو لا ذلك لما جاز أن يقول وهو خير الرازقين أي أفضل من أعطى.
* * *
(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما