بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩))
٨٤ ـ (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ...) لا يخفى على عاقل أن إيراد هذه الآية الكريمة وما يليها استدلال على منكري إعادة الأجسام ، والردّ على عبادة الأوثان ، وذلك لأن قريش كانوا أكثرهم مقرّين بالله لكن كانوا يقولون نعبد الأصنام ليقرّبونا إلى الله. فاحتّج الله عليهم بقوله : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ) الآية ، أي من كان خالقا للأرض ومن فيها ، قادرا على الإحياء والإماتة ، وأنعم عليكم بتمام النعم؟ أو ليس ينبغي أن لا تعبدوا إلّا إيّاه وتكفّوا عن عبادة ما لا ينفعكم ولا يضرّكم؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) لتعلموا بطلان ما أنتم عليه من عبادة الجمادات؟ ثم زاد في الاحتجاج فقال :
٨٥ ـ إلى ٨٧ ـ (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ...) وجه الاستدلال أنه تعالى خاطب نبيّه (ص) أن اسأل يا محمد عن مدبّر السّماوات السّبع (وَرَبُّ الْعَرْشِ) وخالقهما فإنّهما أعظم من الأرض فلا بدّ لهم من الاعتراف والقول بأنّه هو الله (قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أي فلم لا تتّقون ولا تخافونه وتعبدون غيره وتنكرون المعاد مع أن بدء الخلق ليس بأهون من إعادته بل هو أشد حيث أنّ إيجاد المعدوم وهو أشد بنظركم وعندكم من إعادة الموجود. ثم إنه تعالى ترقّى في الحجة فقال :
٨٨ و ٨٩ ـ (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ...) الملكوت تاؤه للمبالغة في الملك كالجبروت ، ولذا عدّ من صيغ المبالغة ، ومعناه الملك العظيم والعزّ والسلطان الكبير وقيل معناه هنا هو الخزائن أي من بيد قدرته خزائن الدّنيا والآخرة (وَهُوَ يُجِيرُ) أي يؤمّن ويحفظ من العذاب من يشاء (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أي ليس لأحد أن يؤمّن ويغيث أحدا من عذابه تعالى إلا بمشيئته .. وتعدية (أجار) ب (على) لتضمينه معنى النّصر ، يعني لا يمكن لأحد أن ينصر أحدا على الله وينجّي أحدا من عذابه تعالى بلا