بحكم العقل ، وإن كانت من باب التعبّد بأخبار لا تنقض يصحّ أن يقال إنّه دليل شرعي أي معتبر بحكم الشرع ، وعلى هذا يكون الاستصحاب دليلا على الحكم المطلوب وخبر لا تنقض أو حكم العقل دليلا على الدليل ، وتعريف الدليل بأنّه ما يمكن بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ينطبق عليه أيضا ، هذا وقد مرّ في أوّل مبحث القطع ما ينفع هذا المقام فتذكّر.
وممّا يتعلّق بمعرفة حقيقة الاستصحاب أنّه يعتبر في أركان الاستصحاب اليقين السابق بالحكم أو الموضوع والشكّ اللاحق فيه ليترتّب عليه البقاء أو الابقاء والمقصود بالاستصحاب وهذا واضح ، ولكن لا بدّ أن ينبّه إلى امور متعلّقة بذلك ولها مدخل في معرفة حقيقة الاستصحاب :
الأوّل : في بيان الفرق بين الاستصحاب وبين قاعدة البراءة وقاعدة الاشتغال فنقول : أمّا فيما إذا لم يكن الحال السابق موافقا للبراءة أو الاشتغال فالفرق واضح لا يحتاج إلى البيان ، وأمّا فيما كانت الحالة السابقة موافقة للبراءة أو الاشتغال فقد يشكل الفرق ويقال إنّا لو حكمنا بالبراءة في مثل المقام يصدق عليه الاستصحاب وينطبق عليه حقيقته ، ضرورة تمامية أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق وحكمنا فيه ببقاء الحكم السابق ، لأنّ المفروض مماثلة حكم الحالتين ، وهكذا فيما يحكم فيه بالاشتغال ينطبق عليه حقيقة الاستصحاب في المفروض لجريان حكم الحالة السابقة المتيقّنة في الزمان الثاني أعني حالة الشكّ.
ودفعه : أنّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون الحكم الثابت به بملاحظة ما تيقّن به في السابق ، وليس كذلك في مجرى تينك القاعدتين فإنّه لا يلاحظ فيه سوى الشكّ فيه ، ومجرّد مماثلة حكم الحالتين لا يلازم ملاحظة الحالة السابقة وحكمها وإجراؤه في حالة الشكّ لينطبق على الاستصحاب.