[١١٤] (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَ) يا الله (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ) المائدة يوم نزولها (لَنا عِيداً) إذ العيد إنما هو يوم وقوع حدث مفرح (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) للمعاصرين والأجيال الآتية (وَآيَةً) عطف على (عيد) (مِنْكَ) أي معجزة من قبلك (وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
[١١٥] (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها) أي منزل المائدة (عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ) إنزالها (مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أي عالمي زمانهم لأنه جحد بعد مشاهدة المعجزة التي طلبها ، فإن جماعة من بني إسرائيل انضموا إلى الحواريين عند سؤال المائدة فأنزلها الله تعالى وأكلوا منها ثم كفر جماعة من بني إسرائيل فمسخوا.
[١١٦] (وَإِذْ) اذكر زمان (قالَ اللهُ) بمعنى يقول ، والمراد يوم القيامة (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ) استفهام بقصد إعلام المسيحيين بطلان تأليههم للمسيح (قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ) المسيح (سُبْحانَكَ) أنزّهك تنزيها عن الشريك (ما يَكُونُ لِي) أي لا يجوز لي (أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) أن أقول قولا لا يحق (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) فكيف يخفى عليك قولي (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) جاء لفظ (النفس) للمشاكلة (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) تعلم ما غاب عن الحواس.
[١١٧] (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) بأن أقول لهم وهو (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) رقيبا أمنعهم عن الانحراف في العقيدة (ما دُمْتُ فِيهِمْ) في الأرض (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أي رفعتني ، وهو أخذ الشيء وافيا روحه وجسده (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) المراقب لأعمالهم فأنت تعلم ذلك (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) مراقب حاضر.
[١١٨] (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) الأحقاء بالعذاب لأنهم عبدوا غيرك (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا تغلب (الْحَكِيمُ) تعمل كل شيء حسب المصلحة ، ولعل الله سبحانه يمتحن قسما من القاصرين من الكفار في يوم القيامة ليغفر لهم إذا نجحوا في الامتحان ، كما أشار إلى ذلك بعض الأحاديث.
[١١٩ ـ ١٢٠] (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) فالصادق في عبادته وعمله يجزى بالثواب (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ) دائمين (فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) ورضاه يوجب سرورهم النفسي (وَرَضُوا عَنْهُ) لأنه أعطاهم ما يرضيهم (ذلِكَ) الفوز بالجنة (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).