__________________
فان دفع كلّ مهما لو يكون لوحده لكان علّة تامّة لالقائه عن السطح ، ولكن مع اجتماعهما صار كلّ واحد منهما جزء العلّة ـ أو قل علّة ناقصة بالعرض ـ ، وذلك لاستحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، (إذ ان هذا المعلول له وجود واحد وهو كاشف عن وحدة علّته ، ولو نظرنا الى جهة العلّة لقلنا لا تسمّى العلّة علّة الّا اذا اوجدت معلولا فلو كان عندنا علّتان فهذا كاشف لمي عن وجود معلولين(*). فاذا عرفت هذين الصنفين من أجزاء العلل فاعلم ان الاطلاق الاحوالي انما ينفي احتمال وجود جزء علة غير مذكور في القضية اذا كان من الصنف الاوّل ، فاذا قال لنا المولى «إذا كان العالم عادلا فاكرمه» فاننا ننفي احتمال تقيّد العالم العادل بقيود أخرى من قبيل الفقر ونحوه بالاطلاق الاحوالي لانّ الفقر وعدمه من احوال العالم العادل ، فانّ معنى «اذا كان العالم عادلا فاكرمه» اي اذا كان
__________________
(*) قد يقال بعدم استحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، مثال ذلك : لو فرضنا وجود شمسين في سمائنا كلّ واحدة منهما كانت علّة تامّة لوجود النهار ، بحيث لو فنت إحداهما لبقي النهار موجودا ، فان وجود النهار في هذه الحالة معلول لعلّتين مستقلتين تامّتين عقلا وعرفا. مثال آخر : لو دفع شخصان شخصا ثالثا من شاهق فوقع ، فانه يمكن افتراض ان يكون كل شخص منهما كافيا في إلقائه بتلك الدفعة بحيث حتّى ولو لم يدفع معه صاحبه لكفت حركة يد الاوّل في تسبيب الالقاء ، وكذا الكلام في الثاني.
أليس معنى ذلك امكان تعدّد العلل المستقلّة على معلول واحد؟ (والجواب) ان المعلول في المثال الاوّل هو ذاك النهار القوىّ الاضاءة ، وهو مختلف عن النهار الذي يتسبّب عن شمس واحدة ، والمعلول في الثاني هو الالقاء بقوّة مضاعفة والتي ستسبّب له بعدا عن حافّة الجبل او السطح أكثر مما تسبّبه احدى هاتين الدفعتين. إذن المعلول في المثال الاوّل سببه مجموع الشمسين والمعلول في الثاني سببه مجموع الدفعتين ، فتنبّه.