__________________
قال الغزالي في المستصفى ج ٢ ص ٣٦٣ مبيّنا لمسلك التصويب ومتبنّيا اياه : «هل في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن لله تعالى هو مطلوب المجتهد؟ الذي ذهب اليه محقّقوا المصوّبة انّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن يطلب بالظن ، بل الحكم يتبع الظن ، وحكم الله تعالى على كل مجتهد ما غلب على ظنّه وهو المختار ... ثم إذا لم يبلغه النصّ ـ لا لتقصير من جهته لكن لعائق من جهة بعد المسافة وتأخير المبلّغ والنص قبل ان يبلغه ـ فليس حكما في حقّه ، فليس مخطئا حقيقة ، فاذا ثبت هذا في مسألة فيها نص فالمسالة التي لا نصّ فيها كيف يتصوّر الخطأ فيها؟! وذهب قوم من المصوّبة الى انّ فيه حكما معيّنا يتوجّه إليه الطلب ، إذ لا بد للطلب من مطلوب ، لكن لم يكلّف المجتهد إصابته ، فلذلك كان مصيبا وإن اخطأ ذلك الحكم المعيّن الذي لم يؤمر باصابته ، بمعنى انّه ادّى ما كلّف فاصاب ما عليه» انتهى.
وهذا القول الثاني ـ كما هو واضح ـ قول بالتخطئة وان وصفه بالتصويب بتوجيهه المذكور.
وقوله «ثمّ اذا لم يبلغه النصّ ... فليس حكما في حقّه» صريح في انّ مراده من الحكم هنا هو الحكم الفعلي ـ كما ورد عندنا ذلك في القصر والتمام والجهر والاخفات ـ وذلك لانّ قوله «ثمّ إذا لم يبلغه النصّ» صريح بوجود الجعل في اعتقاد الغزّالى.
فمع غضّ النظر عن كلام الغزّالي الذي لم يكن ليتضح لو لا ما ذكره في الشق الثاني بقوله «ثم إذا لم يبلغه النصّ ...» والذي لا يثبت نظرية التصويب تجد الشراح لا يعرفون مراد اصحابهم ، ولم يوجد في مصادرهم ما يتّضح منه كلامهم لنصل الى مرامهم فما علينا إلا ان ننظر في ما نقله عنهم ابن السبكي في جمع الجوامع رغم اجماله ايضا ـ كبقية كلامهم ـ قال «اما المسألة التي لا (دليل) قاطع فيها (من مسائل الفقه) فقال الشيخ (ابو الحسن الاشعري) والقاضي (أبو بكر الباقلّاني) وابو يوسف ومحمد (صاحبا ابي حنيفة) وابن سريج : كل مجتهد (فيها) مصيب ، ثم قال الاوّلان : حكم الله (فيها) تابع لظن المجتهد ، وقال الثلاثة (الباقية) هناك ما لو حكم لكان به» انتهى كلامه مع بيان الشرح بين الاقواس. وامّا شرح الكلمة الاخيرة فهو كالتالي : هناك شيء (اي مقتضي وملاك) ما لو حكم الله تعالى لحكم به (اي على طبقه)