إنّه لمّا تعذّر حمل رفع هذه الأشياء على حقيقته ، وجب حمله على إرادة الرفع الحكمي ، فالمراد بها إمّا تنزيل متعلّقاتها منزلة العدم رأسا ، أي بالنظر إلى جميع آثارها ، وهذا أقرب إلى معناه الحقيقي ، أو بلحاظ ما يقتضيها من المؤاخذة عليها ، أو في كلّ منها بالنسبة إلى الأثر الظاهر فيه؟
وحيث أنّ المؤاخذة هي الأثر الظاهر الذي ينسبوه إلى الذهن إرادته في «ما لا يعلمون» أيضا كاخواته ، فيكون الفرق بين المعنيين الأخيرين في كيفيّة التقدير ، فتارة تقدّر على نسق واحد في الجميع فيقال «رفع عن امّتي المؤاخذة على هذه التسعة» ، وتارة تقدّر في كلّ منها بحسب ما يناسبه ، فيجعل متعلّق الرفع في «ما استكرهوا عليه ، وفيما اضطرّوا إليه» نفس المؤاخذة ، وفي «ما لا يعلمون» سببيته للمؤاخذة.
وهذا وإن كان أنسب بالنظر إلى كلّ منها من حيث هو ، ولكن المتبادر عرفا كون الرفع منسوبا إلى مجموع التسعة على نسق واحد.
هذا غاية ما أمكننا في تحصيل مرامه ، ويمكن أن يناقش فيه بوجوه :
امّا أوّلا : فبأنّ إرادة الموضوع من الرواية ـ بعد تسليمها ـ لا ينافي الاستدلال ، لأنّ معنى الرواية على هذا التقدير رفع عن امّتي الحرام الذي لا يعلمونه ، أي لا يعلمون كونه حراما ، وهذا أعمّ من أن يكون جهلهم بوصفه العنواني مسبّبا عن الجهل بذاته أو صفته.
والحاصل : إنّ المدار في اندراج الفعل في موضوع الرواية ، على الجهل بكونه حراما ـ سواء كان منشؤه الجهل بالحكم الشرعي ، أو اشتباه ـ الامور الخارجيّة دون سائر العناوين المتصادقة على الفعل ، فلو علم بحرمة فعل خاصّ ، لم يندرج في موضوع الرواية ، وإن جهل جميع عناوينه ، ولو عكس الأمر انعكس.
وثانيا : إنّه يمكن تقدير المؤاخذة في الجميع على النحو الذي يناسب عموم كلمة «ما» في «ما لا يعلمون» بأن نقول مثلا رفع عن هذه الأشياء سببيّتها للمؤاخذة.