الله علمه عن العباد ، أي لم يوفّقهم لمعرفتها لا انّه لم يبيّنها أصلا فانّ هذا ينافي ثبوتها في الواقع فليتأمّل.
قوله قدسسره : وفيه ما تقدّم في الآيات من أنّ الاخباريّين لا ينكرون ... الخ (١).
أقول : هذه الرواية أوضح دلالة على المدّعى من مرسلة الصدوق الآتية ، التي سيعترف المصنّف رحمهالله بدلالتها عليه ، لسلامتها عن المناقشة التي ستسمعها في تلك الرواية ، فانّ معنى قوله عليهالسلام : «الناس في سعة ما لا يعلمون» بناء على كون كلمة «ما» موصولة ، أنّهم في سعة الشيء الذي لا يعلمونه ، فمن لم يعلم بحرمة شرب التتن مثلا فهو في سعة ، أي لا يجب عليه الاحتياط فيه ، وعلى تقدير كونها مصدرية ، فمعناها أنّهم في سعة مدّة جهلهم بشيء ، فما لم يعلموا بحرمة شرب التتن فهم في سعة منه.
ومحصّل المعنيين : إنّه لا يجب على الناس الاحتياط فيما لا يعلمون ، وهذا يناقض قول الأخباريين بوجوب الاحتياط فيما لا يعلمون.
لا يقال : بعد أن أمر الشارع بالتوقّف عند الشّبهة والاحتياط فيه ، يخرج شرب التتن المجهول الحكم عن موضوع هذه الرواية ، لصيرورة الحكم فيه معلوما.
لأنّا نقول : لنا قلب الدليل ، فنقول بعد أن حكم الشارع بأنّ الناس في سعة ما لا يعلمون ، يخرج شرب التتن عن كونه من مواقع الشبهة التي امرنا بالتوقّف فيها ، وحلّه أنّ الأمر بالتوقّف عند الشّبهة عبارة اخرى عن إيجاب الاحتياط فيما لا يعلمون ، وهذا يناقض قوله «الناس في سعة ما لا يعلمون» لأنّ الموضوع متّحد في القضيتين ، والحكمان متناقضان ، فلا بدّ فيهما من إعمال قاعدة الجمع أو الترجيح.
نعم لو كان المراد ب «ما لا يعلمون» ما لا يعلمون تكليفهم فيه في مقام العمل ، لاتّجه ما ذكره المصنّف من «أنّ الأخباريين لا ينكرون ... الخ» ، ولكنّه خلاف ظاهر
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٩٩ سطر ١٤ ، ٢ / ٤١.