المقوّمين الذين اختلفا في قيمته ، ونصفه الآخر كذا عملا بقول الآخر ، جمع غير ممكن ، بعد العلم بعدم اختلافهما في القيمة ، وكذا الحكم بأنّ نصف الدار لزيد ونصفه لعمرو ، بعد العلم بعدم كونها في الواقع كذلك ، ومخالفته لصريح كلام البينتين جمع غير ممكن ، فانّه ليس جمعا بين كلاميهما بإرجاع بعضه إلى ما لا ينافي الآخر ، ولا بين مدلوليهما بتصديق كلّ منهما في بعضه الذي يمكن صدقه فيه ، فالحقّ أنّ الحكم بالتنصيف عند اختلاف البينتين في أنّ الدار لهذا أو لهذا ليس متفرّعا على قاعدة الجمع بين الدليلين ، ولا من باب الجمع بين الحقّين ، إذ المفروض العلم بعدم كون كلّ منهما صاحب حقّ ، بل هو نوع مصالحة بما يساعد عليه العرف في نظائر المقام ممّا تردّد الحقّ بين شخصين ، ولم يكن لأحدهما مرجّح ، كما في مسألة ما لو تلف أحد الدراهم عند الودعي.
نعم ، لو احتمل صدق كلّ من البينتين في البعض وخطائه في البعض الآخر ، كما لو كان مرجع شهادة كلّ منهما بالنسبة إلى نصفه إلى أمر حسّي وفي الكلّ حدسيا ، أمكن العمل بكلّ منهما فيما يخبر عن حسّ وجعل خبره دليلا لتخطئة الآخر في حدسه ، ومن هذا القبيل الجمع بين قول المقومين ، فإذا قال أحدهما إنّ قيمة هذا الشيء عشرة ، وقال الآخر عشرون ، يصدّقان معا في موضع وفاقهم وهو أنّ قيمته لا تزيد عن العشرين ولا تنقص عن العشرة ، ويجعل قول كلّ منهما دليلا على خطأ الآخر فيما به التفاوت ، بمقدار لا يكون نسبة الخطأ في ذلك المقدار إلى صاحبه في الزيادة أو النقص أولى من نسبته إلى نفسه ، فيحكم أنّ قيمته مثلا خمسة عشر أو نصف مجموع القيمتين.
والحاصل : إنّ الجمع بين قول المقوّمين من هذا الباب لا من باب تصديق كلّ منهما في قيمة نصفه ، كما لا يخفى ذلك على من راجع وجدانه الحاكم بهذا النحو من الجمع في نظائر المقام ، والله الهادي.