اللهمّ إلّا أن يقال ، إنّ هذا إنّما هو بعد الالتفات إلى العلم الإجمالي ، وفرض كون الأمر دائرا بين المحذورين ، والمفروض أنّ هذا العلم كعدمه غير مانع عن ملاحظة كون الشيء من حيث هو مشكوك الوجوب والحرمة ، فبهذه الملاحظة يندرج في موضوع العمومات الدالّة على حليّة كلّ شيء لم يعلم حرمته أو وجوبه.
لكن لقائل أن يقول : إنّ اندراجه في موضوع أدلّة الحلية الظاهرية ، موقوف على احتمال إباحته في الواقع ، لأنّ الأحكام الظاهرية مجعولة للشّاك ، فكيف يندرج في موضوع عمومات الحلّ ، الشيء الذي لا شكّ في عدم حلّيته؟
ودعوى أنّ ما جعل غاية للحكم بالإباحة والحلّية الظاهرية في أدلّتها ، إنّما هو العلم بحرمة ما يشكّ في حرمته ، أو وجوب ما يشكّ في وجوبه ، فكلّ شيء لم يعلم بحرمته ولا بوجوبه هو مندرج في موضوع أصل الاباحة ، سواء علم بعدم إباحته في الواقع أم لا.
ضعيفة جدّا ، ضرورة أنّ المقصود بقوله : «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام» ونظائره ليس إلّا الرخصة في ارتكاب ما يشكّ في حلّيته وحرمته ، لا مطلق ما لم يعلم حرمته ، حتّى يعمّ مثل الفرض الذي علم بأنّه ليس بحلال ، ويأتي في مبحث الاستصحاب عند التكلّم في أصالة عدم التذكية مزيد توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.
قوله قدسسره : فإنّ المخالفة في المثالين ... إلخ (١).
أقول : يعني أنّه ليس للعلم الإجمالي في الفرض مخالفة عملية ، لأنّ غاية ما يقتضيه العلم في مثل المقام الموافقة الاحتمالية ، وهي حاصلة قهرا على كلّ تقدير.
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٩ سطر ٤ ، ١ / ٨٤.