الثالث : من الأمور في المقدمة [متعلق التعارض]
إنّ التعارض يكون بين الآيتين والخبرين القطعيين من حيث السند والظنيين من حيث السند أو الدلالة ، والأمارتين من الأمارات المعتبرة على اختلافها ، والمختلفتين في المذكورات ، والأصلين اللفظيين أو العمليين ، وإن كان عقد الباب لخصوص تعارض الخبرين الظنيين من حيث السند ، لمكان اختصاص الأخبار العلاجيّة بها ، ويمكن تعميمها إلى الخبرين القطعيين من حيث السند فقط ، والمختلفين ، وستأتي الإشارة إليه ، ولعلّه إلى هذا نظر صاحب المعالم حيث قال (١) :
إنّ تعارض الأدلّة الظنيّة لمّا كان عندنا منحصرا في الأخبار ، لا جرم كانت وجوه الترجيح كلّها راجعة إليها ، وذلك لأنّ غير الأخبار من سائر الأمارات ليست معتبرة عنده ، وتعارض الخبر الظني مع الكتاب غير مقصود بالبحث في المقام ، فلا يرد عليه عدم الانحصار.
ويمكن أن يكون نظره إلى الأدلة الظنيّة من جميع الجهات ، فتخرج الصورة المذكورة.
وكيف كان .. [فقد] ذكر المحقق القمي تبعا للقوم أنّه لا تعارض بين القطعيين ، ولا بين قطعي وظني ، وإنّما يتحقق بين الظنيين ، ومرادهم القطعي من جميع الجهات ، كما هو واضح ، وأورد عليه صاحب الفصول بأنّه يمكن التعارض بين القطعي والظني الشأني ، وإن أريد الفعلي فلا يتحقق في الظنيين أيضا ، وإن أريد من الظني في الظنيين (٢) الشأني ، وفي القطعي والظني الفعلي لزم التفكيك واختلال النظم.
قلت : وهو كما قال ؛ إذ المراد تعارض ما يكون دليلا في حدّ نفسه وإن وجب رفع اليد عنه بواسطة المعارض الأقوى ، والظني الشأني في مقابل القطعي وإن كان واجب الطرح إلا أنّه يصدق عليه أنّه دليل عارض دليلا آخر ، غاية الأمر أنّه قدّم عليه من باب الترجيح ، وبمجرّد ذلك لا يخرج عن صدق التعارض ، وإلا ففي جميع
__________________
(١) معالم أصول الدين : ٣٩١ ، و ٢٥٠ طبعة أخرى بتحقيق محمد علي البقال.
(٢) بعدها في نسخة (ب) : الفعلي وفي القطعي والظني الشأني.