كونها حجّتين واقعتين (١) ، وإلا فمقتضى عموم الأدلة حجيّة كل منهما ، فيرجع البحث إلى أنّه إذا تعارض دليلان معتبران بظاهر الأدلة فما حكمهما ، وأنّه هل يحكم بالتخيير أو الترجيح أو التساقط أو غير ذلك ، هذا غاية توجيه القول بالمنع.
ومع ذلك فالإنصاف إمكان كونهما حجّتين واقعيّتين ، ولو على القول بالطريقيّة ، وذلك لأنّ لازم جعل الطريق ، وإن كان جعل مؤداه ، إلا أنّ ذلك إنّما يوجب التناقض إذا كان في القضيّة الشخصيّة بأن يقول صدّق زيدا في قوله الفلاني وصدق عمرا كذلك ، وأمّا إذا كان بنحو العموم على وجه القضيّة الطبيعيّة ، فلا يعد من التناقض (٢) ، ألا ترى أنّه لو قال أنقذ زيدا وأنقذ عمرو مع عدم إمكانهما معا يعدّ من التكليف بما لا يطاق ، ولو قال أنقذ الغريق لا يعدّ منه ، لأنّه يرجع إلى أنّ طبيعة إنقاذ الغريق واجبة.
ففي المقام نقول : إنّ الغرض من قوله صدّق العادل جعل طبيعة قول العادل بمنزلة العلم في كونه كاشفا عن الواقع ، ويكون فيه مصلحة ، وهو الكشف الغالبي عن الواقع ، فهذه المصلحة أوجبت جعل الشارع له حجّة ، وإيجابه العمل عليه بحيث لو فرض إمكان العمل بهما معا كان (٣) واجبا ، كما على القول بالسببية ، غاية الأمر أنّ المصلحة بناء على الطريقيّة ليست إلا الإيصال الغالبي ، وليس اللازم من ذلك وجوب العمل فعلا بكل منهما في صورة التعارض ، حتى يلزم التناقض أو التكليف بالمحال.
وبالجملة فرق بين جعل المؤدّى أولا على وجه التناقض كأن يقول : أفعل ولا تفعل وبين تعليق الحكم على موضوع ، وربّما ينجر إليه ، فإنّه يمكن كون ذلك الموضوع مقتضيا لذلك الحكم على وجه العموم ، بحيث يكون لازمه التزاحم في بعض المقامات ، فعنوان تصديق العادل فيه مصلحة الإيصال إلى الواقع ، ويمكن أن يجعل كاشفا عنه تعبدا ، أو أن نجرّ (٤) لزوم التناقض في صورة التعارض ، إذ لا محذور فيه ، بعد أن كان العقل أو النقل حاكما حينئذ بالتخيير أو التساقط ، ونحو ذلك.
__________________
(١) في نسخة (ب) : كونهما حجتين واقعيّتين.
(٢) في نسخة (ب) : التعارض.
(٣) في نسخة (ب) : لكان.
(٤) في نسخة (ب) : ينجرّ إلى.