السادس : [هل أنّ الحمل على التقيّة يعدّ وجها للجمع]
من الأمور أنّ الجمع بين الخبرين إمّا بارتكاب (١) التخصيص أو التقييد أو المجاز أو الإضمار أو النسخ ، أو نحو ذلك من أنحاء التأويل ، وهل من وجوهه الحمل على التقيّة أم لا؟ فلو فرض عدم إمكان الجمع بين الخبرين إلا بحمل أحدهما على التقيّة فهل يوحّد بينهما ، ويحمل على التقيّة إذا كان موافقا للعامة ، أو يرجع إلى المرجّحات ، ويظهر الثمر فيما لو كان الترجيح للخبر الموافق ، فعلى الرجوع إلى المرجّحات يؤخذ به ويطرح المخالف ، وعلى فرض الجمع يعمل بالمخالف ويحمل الموافق على التقيّة ، وأمّا لو فرض عدم الرجحان في البين إلا بمخالفة العامّة فلا يظهر ثمر عملي ، إذ على التقديرين يعمل بالخبر المخالف سواء قلنا بالجمع أو الترجيح ، نعم على الأول يحكم بصدور الخبر الموافق ، وعلى الثاني لا يحكم بصدوره أيضا ، ولعله يثمر في بعض المقامات كما سيجيء.
وكيف كان ؛ فظاهرهم الثاني ، إذ مع التساوي من جميع الجهات يقولون بالأخذ بالمخالف من باب الترجيح ، لا من باب الجمع ، ولازمهم أنّه مع وجود سائر المرجحات أيضا الأخذ بها دون الجمع ، إلا أنّه لو تمّ دليل القاعدة يقتضي (٢) الأول كما لا يخفى ، من غير فرق بين كون التقيّة تورية أو كذب تجوزا.
ودعوى أنّه على الثاني ليس من الجمع الدلالي ، إذ المفروض طرح ظاهره بالمرّة ، لا الأخذ بالمعنى التأويلي.
مدفوعة بأنّ الملاك الأخذ بسند الخبرين والحكم بصدورهما ، وتشخيص أنّ المراد كذا ، وإن كان بحمل أحد الظاهرين على عدم كونه مرادا (٣) فهذا أيضا نوع تأويل.
فإن قلت : لا معنى للحكم بصدور الخبر ثمّ حمله على التقيّة وطرحه من هذه الجهة.
__________________
(١) في نسخة (ب) : لا بارتكاب ...
(٢) الظاهر أنّه اقتضى ، أو لاقتضى ...
(٣) في نسخة (ب) : مرادا منه.