فعلى ما ذكرنا إذا كان خبر ظني السند محفوفا بأمارات التقيّة بحيث لو فرض صدوره كان على وجه التقيّة يكون كما لو علم صدوره ، وكذا إذا كان إجماع على عدم إرادة ظاهره ، بل يمكن أن يعدّ (١) الثاني من الجمع بين الدليلين ، وهو الخبر والإجماع بالأخذ بالثاني ، وحمل الخبر على معنى تأويلي.
والحاصل أنّ القاعدة بمناطها شاملة للخبرين ، والدليلين غير الخبرين ، والخبر الواحد بلا معارض ، إذا لم يمكن الأخذ بظاهره.
التاسع : [في أنّ الجمع موافق للأصل من جهة ومخالف له من جهة]
لا يخفى أنّ الجمع المذكور في القاعدة موافق للأصل من وجه ، ومخالف له من آخر ، وذلك لأنّه من حيث الأخذ بسند الخبرين موافق للأصل ، وهو عموم ما دلّ على حجيّة كل خبر بناء على عدم المانع من شموله لصورة التعارض مطلقا ، أو إذا أمكن إخراجهما من التنافي عرفا.
وأمّا من حيث الأخذ بالمعنى التأويلي كما هو مراد القائل بالجمع ، فمخالف له لأنّه خلاف مقتضى ظاهر كل منهما أو أحدهما ، ولا يجوز ذلك إلا بشاهد من عرف أو عقل أو نقل ، فدعوى كونه على خلاف القاعدة والأصل بقول مطلق ؛ لأنّ الأصل في المتعارضين التساقط والتوقف ، في غير محلها ، والحقّ ما عرفت وسيأتي تتمة الكلام.
[الكلام في تحقيق الحق في الجمع]
إذا عرفت هذه الأمور فنقول : إذا أمكن الجمع على وجه يساعد عليه العرف أو كان له شاهد من عقل أو نقل ، فهو واجب ومقدم على سائر أحكام التعارض من الترجيح أو التخيير والتساقط ونحوها ؛ وإلا فلا.
ولعلّ مراد القائلين بالجمع أيضا ذلك ، فيرتفع النزاع إلا إنّه بكل الوجوه المتقدمة (٢) مقدم ، وإلى ما ذكرنا ينظر ما ذكره جماعة من أنّ المراد من الإمكان في
__________________
(١) في النسخة : بعد الثاني ...
(٢) لعل المراد : على كل الوجوه المتقدمة.