البحث الأول : في تعارض القطعيين والمختلفين
فنقول : إذا تعارض خبران قطعيّان من حيث السند فإن كان لأحدهما قرينة على الآخر بحيث يكون قرينة عليه ، ويفهم منها عرفا معنى معيّنا ، فلا إشكال ، كما إذا كان أحدهما نصا والآخر ظاهرا ، أو أحدهما أظهر والآخر ظاهرا ، وأمّا إذا لم يساعد العرف على قرينة (١) أحدهما ، أو كل منهما للآخر ، فإمّا أن يكون المعنى التأويلي المحتمل متعينا أو متعددا ، ففي الصورة الأولى إذا علمنا بإرادة ذلك المعنى بعد ملاحظة قطعيّة سنديهما ، فلا إشكال في الأخذ به ، لكن لا من جهة (٢) اعتبار المعنى التأويلي من حيث هو ، بل من جهة العلم بالواقع ، وأمّا مع عدم العلم به بأن يكون ذلك المعنى متعينا في مقام التأويل بعد فرض عدم إرادة الظاهر وعدم مساعدة العرف عليه ، وعدم عدّه من مداليل اللفظ من حيث هو بعد صرفه عن ظاهره ، ولكن لم يكن معلوما إرادته واقعا ، لاحتمال عدم إرادة كلا الظاهرين مثلا ففي اعتباره وجواز الاعتماد عليه وجهان :
يظهر من المحقق الأنصاري قدس سرّه اعتباره ؛ لأنّه جعل قطعيّة الصدور قرينة على إرادة التأويل (٣) ، وكلامه مطلق شامل (٤) لما إذا لم يعلم كونه مرادا واقعيا ، ويمكن أن يقال بعدم اعتباره ، بل يمكن تنزيل كلامه قدس سرّه أيضا على مجرد بيان أنّ اللازم الحمل على التأويل.
وأمّا أنّ المعنى التأويلي معتبر أم لا ؛ فلا نظر إليه ، فيمكن أن ينزل على ما إذا كان المعنى التأويلي معلوما كونه مرادا واقعيّا ، وكيف كان فوجه الاعتبار أنّ ذلك المعنى إذا كان متعينا في مقام التأويل مع العلم بعدم إرادة الظاهر فيتعين الحمل عليه ، ولا يضر عدم حصول العلم بالواقع من جهة احتمال إلغاء كلا الظاهرين وعدم ارادة شيء منهما لمصلحة من المصالح ، ووجه عدم الاعتبار أنّ المفروض أنّه لا يعدّ معنى
__________________
(١) في نسخة (ب) : قرينية.
(٢) صحّحناها من نسخة (ب) ، وقد كانت في الأصل : من جهته.
(٣) فرائد الأصول : ٤ / ٢٦ ـ ٢٧.
(٤) كانت الكلمة في الأصل «تأمل» ، وصحّحناها من نسخة (ب).