وإثبات القدر المشترك ، ومن أنّه إذا لم يؤخذ بظاهرهما فلا دليل على ذلك ، لأنّ المفروض أنّ لكل واحد منهما ظهور واحد وهو مطروح بالمعارضة.
فإن قلت : إنّ الأمر إذا كان ظاهرا في الوجوب فيدل على أمرين : الرجحان والمنع من النقيض ، والدالّ على الاستحباب إنّما منع من المنع من النقيض ، فيبقى مطلق الرجحان ثابتا بلا معارض.
قلت : هذا فرع تعدد الظهور ؛ والمفروض اتحاده ، فمع إسقاطه لا يبقى شيء ، نعم إذا كان المعنى مركبا أمكن القول بدلالة اللفظ على جزءه بالتضمن إلا أنّه أيضا لا يثمر ، إذ مع عدم الأخذ بالمعنى المطابقي لا يبقى التضمني.
وأمّا دعوى أنّ القدر المسلم هو طرح أحد الظاهرين ، إذ هو القدر المضطر إليه ففيها أنّ ذلك لا يجدي بعد فرض تساقط الظهورين ، لعدم المعيّن لذلك ، فكلا الظاهرين مطروح ، وإن كان العلم بإرادة خلاف الظاهر مختصا بأحدهما لا بعينه ، إذ هو القدر المضطر إليه ، هذا إذا أريد إثبات القدر المشترك من جهة دلالة اللفظ ، وإن أريد إثباته من حيث كونه في ضمن الحكمين ؛ فهو فرع ثبوت أحدهما ، والمفروض عدم ثبوت شيء منهما.
والحاصل أنّ طريق إثباته أحد أمرين إمّا من جهة كونه في ضمن الحكمين ، وإمّا من جهة الدلالة اللفظيّة ، والأول فرع ثبوت أحدهما ، والثاني فرع تعدد الظهور ، هذا ولكنّ التحقيق هو الوجه الأول ، وهو الحكم بثبوت (١) القدر المشترك ، وذلك لأنّ الظهور وإن كان واحدا ، لكنّه في حكم التعدد ، فيمكن أن يعتبر من إحدى الحيثيتين دون الأخرى فنقول : ظهور اللفظ في الوجوب بما هو ظهور في الوجوب ليس بحجّة ، وبما هو ظهور في مطلق الرجحان حجّة ، نظير إثبات الزوجيّة التي هي معنى بسيط فيما إذا أقرّ بها الزوج وأنكرت المرأة ، فإنّها ثابتة بما هي موجبة للنفقة ومنفيّة بما هي موجبة (٢) لإرث الزوج من الزوجة ، ولوجوب التمكين منها ، ونحو ذلك.
وكما في التفكيك في مجاري الأصول بالنسبة إلى الآثار ، فإنّ الأصل قد يثبت
__________________
(١) في نسخة (ب) هكذا : وهو ثبوت.
(٢) لا توجد كلمة «موجبة» في نسخة (ب).