البحث الثاني (١) : فيما تعارض الظنيان
وقد عرفت أنّه محط كلام صاحب الغوالي ، وأنّ الحق فيه هو الجمع مع الإمكان العرفي ، والإمكان بشاهد وعدمه في غيرهما ، فلنا دعويان :
أمّا الأولى ؛ وهو الجمع في الصورتين : فيدل عليه فيما إذا أمكن عرفا بأن كان أحدهما نصا أو أظهر ـ مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع عليه كما ادعاه صاحب الغوالي ، وسيرة العلماء ، والأصحاب كما لا يخفى على المتتبع في عملهم في الفروع ، وإلى بعض الأخبار مثل قولهم عليهمالسلام «في أخبارنا محكما ومتشابها فردوا متشابهها إلى محكمها» (٢) ، فإنّ العامّ وإن كان ظاهرا من حيث هو إلّا أنّه في مقابل الخاص يعدّ من المتشابه ، كقوله عليهالسلام «أمر النبي صلىاللهعليهوآله مثل القرآن منه ناسخ ومنسوخ ، وعام وخاص ، محكم ومتشابه» (٣) ، وقد كان (٤) يكون من رسول الله كلام يكون له وجهان وكلام عامّ وكلام خاص مثل القرآن ، وكقوله «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا» (٥) ، وغير ذلك ممّا يظهر منه وجوب إرجاع بعض الأخبار إلى بعض ، مثل قوله عليهالسلام «إنّ أخبارنا يفسر بعضها بعضا» (٦) ـ إنّ الأصل في الخبرين الإعمال بمقتضى أدلّة الاعتبار ؛ لأنّها عامّة لكل خبر ، فلا بدّ من الحكم بصدور الخبرين ، وحينئذ يكون أحدهما قرينة على الآخر في نظر العرف ، فلا يعدونهما بعد ذلك من المتعارضين ، وإن كانا منهما في أول النظر.
ومن ذلك يظهر عدم شمول الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجحات للمقام ، فإنّ منصرفها كما لا يخفى هو صورة التحير على فرض قطعيّة صدورها (٧) ، ولا حيرة مع كون أحدهما نصا أو أظهر ، كما فيما إذا كانا قطعيين ، والسرّ في ذلك أنّ التعارض ـ
__________________
(١) في النسخة كتب : المبحث ، وحفاظا على التناسب بينه والأول رسمناه «البحث».
(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٢.
(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٥٩١ خطبة رقم ٢٠٣.
(٤) الظاهر زيادة «كان».
(٥) معاني الأخبار : ١ / ١ ، الوسائل : ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٧.
(٦) لم نعثر عليها في مصدر روائي ، والكلمة كثيرة التكرر في لسان العلماء كما يشهد الوجدان بصحتها.
(٧) في نسخة (ب) : صدورهما.