براعته في علم الأصول :
شاع في الحوزات العلميّة إلى حدّ ما أنّ السيد اليزدي فقيه ، وليس ذو باع في علم الأصول ، بل لا يبعد عدم كونه من أهل الفن فيه ، ولو فتّشنا في هذه الشائعة لوجدنا أن لا منشأ لها إلا أنّ مترجمنا قد برع في علم الفقه وكتب فيه ودرّسه كثيرا ، ولم ينقل عنه مثل هذا في علم الأصول ، وأنت ترى بأنّ هذا لا يعد سببا موجبا لما ذكر فضلا عن كونه مثبتا لذلك واقعا ، أو لعلّه قد عدّ كذلك في مقابل من يصنّف من علماء الأصول والبارعين فيه كصاحب الكفاية الشيخ الآخوند الخراساني ، وهذا كذلك ليس من الأسباب الموجبة لما اشتهر ، إذ أنّه ـ على فرض صحته ـ مجرد تصنيف بملاك اعتباري ، فهو محض اعتبار لا أساس له إلا الجهل بمقام بعض الأطراف غير المطلّع على واقعها العلمي ، فثبوت صفة الفقاهة لا ينفي غيرها من الصفات الممكن تحققها في الشخص فيما لو لم يكن بين ذاتي الصفتين تناف ، وكم عالم عاش مجهول القدر ولم قدره إلا بعد وفاته!؟.
وفي الواقع إنّ هذا في حد ذاته مورد من موارد قولهم «ربّ مشهور لا أصل له» ، إذ يكفينا دليلا على كذب هذه الشائعة ، ومثبتا لعكسها وأنّه من أهل الفن في علم الأصول ما سطّرته أنامله الشريفة من تفريعات فقهيّة في كتابه القيم «العروة الوثقى» ، فقد يظن البعض أنّ الكتاب الفقهي لا يعطي صورة إلا عن عنوانه المحض فقط ، وهو اشتباه واضح ، واحتمال موهوم ، فإنّ الباحث المحقق بمجرد اطلاعه على كتاب ما في علم معين بإمكانه أن يشخص مدى قدرة الكاتب العلميّة ، ومدى ترابط مبانيه وقوّة تماسكها ، وليس إلا بإرجاعها للمباني الأصوليّة التي بنيت عليها تلك المسألة ، وأكبر شاهد على هذا المعنى الذي ذكرناه توجه العلماء ومراجع التقليد في زمانه وإلى زماننا هذا لهذا الكتاب ، بالشرح والتعليق والبيان والتوضيح لما يكون به رسالة عمليّة موافقة لمبانيهم وآراءهم ، في حين أنّه كان بمثابة الرسالة العمليّة لمقلديه ليس إلا.
وشاهد آخر نعطيه للقارئ الكريم عمّا نروم الوصول إليه ما خرج عن قلمه من الشرح والتعليق على كتاب المكاسب للشيخ المحقق الأعظم الشيخ المرتضى