وأجاب المحقق الأنصاري قدس سرّه عن الدليل المذكور بما حاصله (١) : إنّ ما ذكر من [أنّ] الأصل هو الإعمال مسلّم ، إلا أنّه معلّق على الإمكان ؛ المفروض عدمه في المقام ، إذ العمل بالخبرين بإخراجهما عن ظاهرهما ليس عملا بهما ، إذ كما يجب مراعاة السند مع احتمال شرائط الحجيّة ؛ كذا يجب مراعاة الظاهر بعد فرض وجوب التعبّد بسنده إذا لم تكن قرينة التعبّد بصدور أحدهما معيّنا أو مخيرا ثابتة على تقديري الجمع وعدمه ، فيجب التعبد بظاهره ، ويدور الأمر بينه وبين صدور الآخر ولا أولويّة للثاني ؛ بل قد يتخيل العكس لاستلزام الجمع طرح ظاهرين ، والطرح طرح سند واحد ، ولكنّه فاسد ، لأنّ ترك ظاهرها عدا المتّفق على التعبّد بسنده غير مخالف للأصل ؛ بل التعبد غير معقول ، إذ لا ظاهر حتى يتعبّد به.
وقياس المقام على مقطوعي الصدور حيث يؤخذ فيهما بخلاف ظاهرهما فاسد ، لأنّ القطع بالصدور فيهما قرينة على إرادة خلاف الظاهر فيهما ، لعدم إمكان رفع اليد عن سندهما ؛ بخلاف المقام ، فإنّ ظاهر كل منهما معارض لسند الآخر ، والأمر دائر بينهما ، ولا أولويّة ، ولا حكومة في البين ، لأنّ الشك فيهما مسبّب عن ثالث.
ومن ذلك يظهر فساد القياس بالنص والظاهر ، فإنّ سند النص وإن كان معارضا بظهور الظاهر ؛ إلا أنّه حاكم عليه ، لأنّ من آثار التعبّديّة رفع اليد عن ذلك الظهور ، إذ الشك (٢) فيه مسبّب عن الشك في التعبّد بالنص ، وكذا قياسه على الخبر الذي لا معارض له وقام الإجماع على خلاف ظاهره ، حيث إنّه يؤخذ فيه بالمعنى التأويلي.
وجه الفساد عدم الدوران فيه ؛ بخلاف المقام ، حيث يمكن رفع اليد عن كل من الظهور في أحدهما والسند في الآخر.
فالحق عدم الجمع ؛ لأنّ وجوب العمل بالخبرين مقيّد بالإمكان ، فالمرجع فيه العرف ، وهو حاكم بعدمه في المقام.
أقول : في كلامه أنظار ؛ وإن كان قريبا من مسلكنا المتقدم على التقرير الثاني :
أحدها : أنّه أخذ في تحقيق المعارضة ـ بين عموم ما دلّ على وجوب الأخذ
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ٢٠ ـ ٢١.
(٢) في نسخة (ب) : والشك فيه ...