جواز عتق الكافرة ومقتضى إطلاق الثاني جواز الإكرام بغير العتق ، وحينئذ فيجمع بينهما بتقييد إطلاق كلّ منهما بالآخر ، ويحكم بوجوب خصوص عتق الرقبة المؤمنة بعد العلم باتخاذ التكليف.
قلت : هذا في الحقيقة ليس تفصيلا في المقام ، إذ المثال الثاني ليس من العموم من وجه ، بل هو عموم مطلق في موردين ، إذ لا يلاحظ في النسبة تمام مدلول الخبر بل يلاحظ كل مقيّد مع مقيّده ، فكل منهما مطلق من جهة ، مقيّد من أخرى ، ومن ذلك يظهر أنّ ما عن تمهيد القواعد (١) من عدّ مثل قوله عليهالسلام : «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غيّر لونه أو طعمه ..» (٢) ، مع قوله عليهالسلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجسه شيء» (٣) من العموم من وجه ؛ ليس في محلّه ، وذلك لأنّ مفاد الأول أنّ الماء الغير المتغير طاهر وأنّ الماء المتغيّر نجس ، ومفاد الثاني أنّ الكرّ لا ينجس وغيره ينجس ، فليس مفاد كل منهما حكما واحدا ، ولعلّ نظر الشهيد إلى بعض مفاد الأول مع بعض مفاد الثاني.
ثمّ إنّ ما ذكره ذلك البعض ملاكا من كون التعارض على وجه التناقض أو التضاد لا وجه له ، إذ مثل قوله أكرم العلماء مع قوله أهن الفساق من القسم الثاني ، مع أنّه لا يحكم بالجمع بينهما ، ومثل قوله عليهالسلام «اعتق رقبة» مع قوله لا تكرم كافرا ـ مع العلم باتحاد التكليف ـ من قبيل القسم الأول ، مع أنّه يجمع بينهما فتدبّر.
تذييل : [يتعلق بالجمع العملي]
الكلام من أول القاعدة إلى هنا إنّما كان في الجمع الدلالي ، وأمّا الجمع العملي في أدلّة الأحكام ؛ بمعنى إبقاء المتعارضين على حالهما ، بحملهما على ظاهرهما والتبعيض في مقام العمل فيما أمكن فيه ذلك ، وكذا في النصّين فقد ظهر من مطاوي ما ذكرنا بطلانه أيضا ، وذلك العدم الدليل عليه ، ودليل الحجيّة إنّما يقتضي وجوب العمل بالدليل في مدلوله ، ولو بعد حمله على المعنى التأويلي ، فمع إبقائه على
__________________
(١) تمهيد القواعد : ٢٨٤.
(٢) الرواية ذكرها المحقق في المعتبر مرسلة وكذا أرسلها في السرائر ، وهي في الوسائل : ١ / ١٣٥ الباب ١ من أبواب الطهارة حديث ٩ ، وذكر أنّها متفق على روايتها.
(٣) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٨ الباب ٩ من أبواب الطهارة حديث ١ وما بعده ، وفيه : إذا كان.