وإن كان يمكن استفادة حكمه ممّا ذكر ، ولعلّنا نتعرض لذلك إن شاء الله.
الثاني : [في تصوير الوجوه المذكورة] فنقول :
أمّا الترجيح ؛ فهو عبارة عن الأخذ بما يكون من الدليلين مشتملا على مزيّة إمّا مطلقا أو في مناط الحجيّة ، والحكم بسقوط المرجوح عن الاعتبار إن كان الدليل عامّا ، بمعنى أنّ العقل الحاكم بوجوب الأخذ بالأرجح حاكم بخروج الآخر عن الحجيّة ، وعن تحت دليل الاعتبار ، لا أنّه أيضا حجّة إلا أنّه يجب الأخذ بذي المزيّة تعبّدا ، كمسألة الأهم وغير الأهم في الواجبات ، حتى يكون البحث في صورة العمل بالمرجوح كالبحث في الإتيان بغير الأهم مبنيّا على مسألة الضد.
فإن قلت : بناء على الموضوعيّة اللازم ذلك ؛ لأنّ المفروض أنّه يجب الأخذ بكلّ من الأمارتين من حيث هما ، فيصيران كالواجبين المتزاحمين.
قلت : وإن كان يتراءى في ظاهر النظر ذلك ؛ إلا أنّ باب الأمارات غير باب الواجبات ، ومقام الحجيّة والاعتبار غير مقام الإتيان بالواجبات ، فالمرجوح يسقط عن الاعتبار أصلا ، بناء على وجوب الترجيح ، إذ لا معنى لتعبديّة الأخذ بالراجح إلا أن يخرج عن الأماريّة ويجعل موضوعا من الموضوعات ؛ من غير نظر إلى الواقع أصلا ، بأن يكون تصديق العادل نظير إكرام العالم ، وحينئذ نلتزم بأنّه مثل الأهم وغيره ، وأنت خبير بأنّه خارج عن المفروض ، وأنّه تصويب باطل كما سيأتي ، فالمراد من الموضوعيّة في المقام ليس على الوجه المذكور كما سيتضح إن شاء الله هذا.
وأمّا من يقول بعدم وجوب الترجيح فيقول : إذا كان الدليل شاملا لكل من المتعارضين ، والمفروض أنّ هذه المزيّة ممّا لم ينص الشارع على الأخذ بها ، فلا دليل على ترجيح ذيها.
وأمّا التخيير فهو عبارة عن حكم العقل بوجوب الأخذ بأحدهما لا على التعيين ، بعد فرض شمول الدليل لكلّ واحد منهما على التعيين ، فالحجيّة حينئذ كلّ واحد منهما لا على التعيين ، لا بمعنى أنّ أحدهما لا على التعيين حجّة ، إذ الحجيّة نظير الوجوب في الواجبات التخييريّة ، حيث إنّ نحو الوجوب التخييري غير نحو