نصب الطرق الأحكام الشرعيّة التي تضمنتها ، فمعنى قوله صدّق العادل في قوله إنّ الواجب هو الظهر مثلا ، ليس إلا الحكم بأنّه الظهر ، وهذا معنى ما يقال «إنّ المراد وجوب ترتيب الآثار على مؤداه ، والأولى أن يقال : إنّ الحجيّة من الأحكام الوضعيّة ، ومعناها جعل الشيء طريقا موصلا إلى الواقع ، فالمجعول صفة المرآتية والكاشفيّة وتنزيله منزلة العلم الطريقي ، وهذه الصفة أمر قابل للجعل ، ودعوى أنّ الكاشفيّة صفة واقعيّة في الخبر ؛ فلا معنى لجعلها ؛ مدفوعة بأنّ الكاشفيّة الظنيّة النوعيّة غير كافية في الشرع ، خصوصا بعد نواهي العمل بالظن ، فالشارع يجعله بمنزلة العلم في الكاشفيّة الكافية ، فالخبر في حدّ نفسه ليس طريقا فعليّا ، والشارع يجعله طريقا كجعل ما ليس سببا عقليا سببا شرعيّا ، بناء على كون الأحكام الوضعيّة مستقلة في الجعل ـ كما هو الحق المحقّق في محلّه ـ ويلزمه حينئذ جعل المؤديات ، فالحجيّة بمعنى المثبتة ، وتنزيل غير العلم منزلة العلم في الإثبات والإراءة.
وهذا بناء على كون حجيّة الأخبار من باب الطريقيّة واضح ، وأمّا بناء على كونها من باب السببيّة بالمعنى الذي ذكرنا ؛ وكذا في الأصول فتصويره مشكل ، إلا أن يقال إنّ المراد منها حينئذ جعل الشيء مثبتا لمؤداه ، ولو في الظاهر ، وبدلا عن الواقع ، نعم ؛ لا معنى لإطلاق الحجية في الأخبار إذا قلنا باعتبارها من باب الموضوعيّة بمعنى كون الخبر موضوعا من الموضوعات ، أو كون مؤداه كذلك ، إذ حينئذ يصير كجعل سائر الأحكام لموضوعاتها ، وليس فيها جهة إثبات ، بل هو جعل للحكم من الأول لهذا الموضوع ، كجعل الحرمة للخمر ، والوجوب لإكرام العلماء.
نعم ؛ بناء على تصوير الموضوعيّة بمعنى جعل مؤدى الخبر بدلا عن الواقع في الواقع تتصوّر الحجيّة أيضا من حيث إنّ جعل البدل إثبات للواقع ولو ببدله ؛ فتدبّر!.
السابع : [البحث في التخيير]
للتخيير أقسام : عقلي واقعي كما في المتزاحمين ، وميزانه إيجاب الشارع لكل من الشيئين عينا بعد الفراغ عن تماميّة الطلب والمصلحة في كل منهما مع كون المكلف عاجزا عن الإتيان بهما ، فلو فرض عدم إمكان الإيجاب العيني من جانب الشارع لا يحكم العقل بالتخيير ، كما في مقامنا ـ بناء على عدم إمكان جعل المتعارضين ـ فإنّه