قلت : تكليفه في الفرعيّات (١) يقتضي وجوب تحصيلها بما هو في وسعه ، وهو التقليد فيها ، كما أنّ المجتهد مكلّف بالأخذ من الرواة الذين هم الطرق للمجتهد ، كما أنّه طريق للمقلّد ، وليس مكلّفا بتحصيلها بالاجتهاد ـ الذي هو خارج عن وسعه ـ والحاصل أنّ المقلّد مكلّف بالفرعيّات وطريقه التقليد فيجب عليه العمل بما يعتبر في التقليد ، والمجتهد مكلّف بها وطريقه الاجتهاد ، فيجب عليه ما يعتبر فيه من المقدمات (٢) ، كيف؟ ولو كان الأمر كذلك لكان الاجتهاد واجبا عينيّا على كلّ أحد حتى العاجزين ، وكان عليهم الاستنابة لأداء هذا التكليف وليس كذلك ، كما هو واضح ؛ إذ لا يجب على العامي أن يستنيب من يجتهد أو يحصّل قوّة الاجتهاد نيابة عنه ، نعم يجب ذلك إذا لم يكن هناك من به الكفاية ، لكن في هذه الصورة أيضا لا على وجه النيابة بل من باب تحصيل القدر الكافي ، وفرق واضح بين الاستنابة وبين تحصيل المجتهد ، نظير الفرق بين الإحجاج وبين الاستنابة في الحج.
وبالجملة ؛ كلّ حكم أصولي يرجع إلى الاستنباط أو كيفيّته فهو من وظيفة المجتهد ، ولا يشترك معه المقلّد ، وكل ما يرجع إلى العمل بالأدلّة فهو مشترك فالمقلّد مكلّف بالعمل بقول اللغوي في أنّ الصعيد وجه الأرض ، وليس مكلّفا بالرجوع إلى كتب اللغة أو أهلها ، والعمل بقول اللغوي هو التيمم بمطلق وجه الأرض ، وأمّا العمل به بمعنى استنباط أنّ المتيمّم به مطلق وجه الأرض فهو وظيفة المجتهد ، وكذا مكلّف بالعمل بالخبر الأرجح من المتعارضين ، لكن ليس مكلّفا بتحصيل الأرجح .. وهكذا.
وإن شئت قلت : إنّه ليس مكلّفا بالمسائل الأصوليّة مطلقا ؛ لما عرفت من أنّ ما ذكرنا (٣) في الحقيقة تكليف فرعي. وبالجملة ؛ : فالمطلب واضح.
الثالث : بناء على القول باشتراك التكاليف الأصوليّة فهل يجري فيها التقليد أو لا؟ الحق لا ؛ إلا أن يرجع إلى التقليد في المسألة الفرعيّة ، مثلا لو قلّد في أنّ خبر الواحد
__________________
(١) في نسخة (ب) و (د) : بالفرعيّات.
(٢) من قوله «والحاصل ـ إلى قوله ـ المقدمات» قد أخر في النسخة (ب) و (د) إلى ما قبل قوله «وبالجملة» وقدم ما بعده هنا على ـ وهو من قوله كيف ولو .. ـ في النسخة (ب).
(٣) في نسخة (د) : ما ذكر.