إذ على الأول الأصل عدم وجود العنوان الآخر وعدم العقاب من جهته ، وعلى الثاني أيضا نقول الآكديّة كلفة زائدة مدفوعة بالأصل ، ولو كان الواجب بل الوجوب أمرا واحدا.
ومن ذلك يظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال : إنّ الشك يرجع إلى الوجوب الفعلي في الآخر والأصل عدمه ؛ إذ الشك في وجوبه الفعلي في الحقيقة من جهة الشك في سقوطه ووجود المانع عنه ، وهما مدفوعان بالأصل.
فإن قلت : ما ذكرت إنّما يتم إذا فرض تعلّق التكليف بالآخر فعلا ثمّ طرأ العجز عن الإتيان بهما وأمّا إذا كان من أول الأمر عاجزا فلا يدرى أنّه هل وجب عليه خصوص هذا أو ذاك (١) مخيّرا فلا يكون الشك في سقوط التكليف بل في ثبوته بالنسبة إلى الآخر مجرّد (٢) ، وأمّا وجوب هذا فمعلوم فلا يجوز تركه وإتيان الآخر.
قلت : لا نحتاج إلى الثبوت الفعلي بل يكفي شمول الدليل له من حيث هو وإن كان غير منجّز (٣) من جهة المزاحمة فمقتضى قوله أنقذ كل غريق وجوب إنقاذ كليهما والعجز عن ذلك لا يقتضي إلا عدم التنجز بالنسبة إليهما معا ، وأمّا أصل الوجوب فهو ثابت ؛ فإذا فرضنا الشك في أنّ المنجز خصوص أحدهما أو أحدهما المخيّر فنقول التعيين (٤) يحتاج إلى دليل.
فإن قلت : إنّ المفروض تنجز التكليف بالنسبة إلى أحدهما أعمّ من المعين والمخيّر وبالنسبة إلى الآخر مشكوك.
قلت : هذا لا يثمر بعد كون القدر المعلوم هو المخيّر.
فإن قلت : التخيير إذا كان بحكم العقل فهو لا يحكم به إلا بعد إحراز التساوي وعدم المزيّة (٥) فبمجرّد الاحتمال يجب اختيار ذي المزيّة تحصيلا لتعيين البراءة.
__________________
(١) في نسخة (د) : هذا أو هذا أو ذلك.
(٢) كتب على الكلمة من نسخة الأصل : كذا ، وكلمة «مجرد» غير موجودة في نسخة (د) و (ب).
(٣) جاء بعدها في نسخة (ب) و (د) : فعلا عينا.
(٤) في نسخة (ب) و (د) : إنّ التعيين.
(٥) وذلك بلحاظ أنّ التخيير مرجع بعد عدم إمكان الترجيح وليس مرجّحا في عرض سائر المرجّحات.