ثمّ لا يخفى أنّ التعبير بالتراجيح فيه مسامحة من وجوه :
أحدها : أنّ معادل التعادل : التراجح لا التراجيح ؛ إذ هو مأخوذ إمّا من العدل بمعنى الاستواء (١) ، كما هو الظاهر ؛ حيث إنّ المأخوذ منه في غير الثلاثي إنّما هو المصدر الثلاثي ، ومن العدل ـ بالفتح أو الكسر ـ بمعنى المثل ، وعلى التقديرين معناه المساواة ، فالمناسب أن يقال في مقابله التراجح الذي هو بمعنى زيادة أحد الدليلين أو الشيئين على الآخر ، لا الترجيح الذي هو بمعنى إعطاء الرجحان ، وجعل الشيء راجحا بتقديمه على غيره ، أو بغير ذلك من وجوه إعطاء الرجحان.
الثاني : أنّه أطلق الترجيح الذي عرفت معناه ، وأريد منه ما يوجب الترجيح من المزايا الموجودة في أحد الدليلين ، فيكون من باب استعمال اللفظ الموضوع للمسبّب في السبب.
الثالث : إتيانه بلفظة الجمع وإفراد لفظ التعادل.
ويمكن الاعتذار عن الأخير ـ بعد المسامحتين الأوليتين ـ بأنّ المناسب إنّما يكون هو الإفراد إذا أريد المعنى المقابل للتعادل ، وهو التراجح ، وأمّا إذا أريد منه نفس المزايا والمرجحات فالمناسب التعبير بالجمع إشارة إلى أن الغرض من البحث عن الترجيح البحث عن وجوه المزايا والمرجحات : من الشهرة ، والموافقة للكتاب ، وصفات الراوي ، فإنّ لكل واحد منها حكما يتعلق به ، بخلاف التعادل ، فإنّه وإن كان يمكن فيه أيضا لحاظ التعدد بملاحظة كل واحد من المزايا وجدانا وفقدانا ، إلا أنّه لا يتعلّق الغرض بالبحث عن خصوصيّات أفراد التساوي ، بل المعيار هو مطلقه من غير نظر إلى الخصوصيّات.
وربّما يعتذر عن التعبير بالجمع بأنّ التعادل أمر عدمي ، ولا تمايز في الأعدام ولا تعدد فيها ، وتعدد ما أضيفت إليه لا يثمر في تعددها ، بخلاف الترجيح ، فإنّه أمر وجودي ويتعدد بتعدد أفراد الأخبار المشتملة على المرجحات.
وفيه :
أولا : منع كون التعادل [أمرا] عدميّا ؛ إذ المساواة من الأوصاف الوجوديّة إذا كان
__________________
(١) فتقول هذا عدل ذاك أي مساو له.