ثمّ لا يخفى أنّ ذكر الدليلين في التعريف (١) من باب المثال ، وإلا فقد يكون التعارض بين أزيد منها ، لا (٢) مثل ما إذا كان في أحد الطرفين خبران وفي الآخر واحد ، إذ الخبران حينئذ دليل واحد ، فيصدق أنّ التنافي إنّما هو بين دليلين ، ولا مثل ما إذا كان هناك أخبار يكون بين مداليلها عموم من وجه ، مثل قوله «يجب إكرام العلماء ، ويحرم إكرام الفسّاق ويستحب إكرام الشعراء» ، إذ حينئذ يكون التنافي بين كل اثنين منها أيضا ، بل المراد (٣) ما إذا كان قوام التعارض بأزيد من دليلين ، بحيث لا يكون بين كل اثنين منها تناف ، كما إذا قال «يجب إكرام زيد يوم الجمعة» وقال «يجب إكرام عمرو يوم الجمعة» ، وقال «لا يجب إكرام شخصين يوم الجمعة» ، فإنّه لا تعارض بين الأولين ، ولا بين كلّ منهما والثالث ، وإنّما التعارض بين المجموع ، وهذا (٤) إذا كان الثالث أيضا ظنيا ، وإلا فيكون التعارض بين الأولين فقط ، ويكون هو (٥) محققا للتعارض بينها ، كما في مثال الظهر والجمعة ، حيث إنّ الإجماع الذي هو الثالث يكون محقّقا للتعارض بينهما (٦).
وهل يلاحظ في مقام العلاج وملاحظة المرجحات كلّ مع كلّ؟ أو الأولان مع الثالث؟ سيجيء بيانه في محلّه إن شاء الله (٧).
ثمّ إنّ التنافي على وجه التضاد إنّما يكون تنافيا بملاحظة أوله (٨) ورجوعه إلى التناقض ، فيمكن الاقتصار عليه ، إذ المنافاة بين ما دلّ على استحباب شيء مع ما دلّ على وجوبه إنّما هو من جهة أنّ مع الاستحباب لا يمكن أن يكون واجبا ، وبالعكس ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المراد من الدليلين أعم من الاجتهاديين والأصلين ، والمختلفين مع
__________________
(١) في نسخة (ب) : في التعريف إنّما هو ...
(٢) في نسخة (ب) : لا ازيد مثل ...
(٣) في نسخة (ب) : بل أزيد.
(٤) في نسخة (ب) : بين المجموع هذا ...
(٥) لا توجد «هو» في النسخة (ب).
(٦) من قوله «كما في مثال» إلى قوله «بينها» لا يوجد في النسخة (ب).
(٧) يأتي في ضمن بحث انقلاب النسبة بين الأدلة المتعارضة.
(٨) الأول : من آل يؤول الأمر إلى كذا ؛ أي يصير إليه.