لأنّ كتب المتقدمين كلّها مقصورة على نقل الأخبار ، ولتفرق الأصحاب وانزوائهم في زوايا التقيّة في أكثر البلدان ، وإن أريد في الرواية ؛ بمعنى أن يكون مجمعا عليه في الأصول المرويّة المكتوبة عنهم عليهمالسلام ففيه أنّها قد اشتملت على الأخبار المتخالفة والأحاديث المتنافية ، فهي مشتركة في الوصف المذكور ، وحينئذ فمتى تعذّر معرفة هذه الضوابط الثلاثة المذكورة على الحقيقة فكيف يتيسر العرض عليها أو الرجوع إليها ، فالمعتمد عليها ربّما يقع في المخالفة من حيث لا يشعر ، وتزلّ قدمه من حيث لا يبصر ، والحال أنّهم رخّصوا لنا في الأخذ من باب الردّ إليهم ، والتسليم لأمرهم عليهمالسلام ، فلا شيء أسلم من الأخذ بما وسّعوا فيه ، فإنّ فيه تحرزا عن القول على الله سبحانه بغير علم ، وتخلّصا من التهجم على الأحكام بغير بصيرة وفهم .. انتهى.
أقول : وأنت ـ بعد ملاحظة ما قدمناه ـ خبير بمواقع النظر في كلامه ، وأنّه لا وجه لترك الرجوع إلى هذه المرجّحات ، بل ولا غيرها من المنصوصات حسبما عرفتها ، وعرفت الدليل عليها ، ثمّ إنّ هذا كلّه (١) مزيّة ، والغرض أنّ المتعبّد بما في الأخبار أيضا لا ينبغي أن يقتصر على البعض ، بل يجب عليه اعتبار جميع ما استفيد من الأخبار.
بقي هنا أمران :
الأول : [اعتبار الترتيب بين المرجحات وعدمه]
هل الترتيب المذكور في الأخبار معتبر بين المرجّحات المذكورة أو لا؟.
إن قلنا بالتعدي عن المنصوصات من جهة حمل الأخبار على المثال ؛ فلا يعتبر ، بل المدار على الأقوى منها ، ويكون الترتيب المذكور ترتيبا ذكريا ؛ لأنّ المقصود تعدادها والأقوائيّة مختلفة في المقامات.
نعم ؛ يبقى الكلام في أنّ أيّا منها أقوى نوعا؟ وسيأتي الكلام فيه بقول كلّيّ عند البحث عن تعارض بعض المرجحات مع بعض (٢) ، نعم لو تعدّينا عن المرجحات
__________________
(١) جاء بعده في نسخة (د) : مع الإغماض عن الدليل على التعذر عن المرجحات المنصوصة وأنّ المستفاد من الأخبار الترجيح بكل ...
(٢) يأتي في المقام الخامس ؛ ص ٤٨٨.