الثاني : [أنّ المدار في الترجيح على الواقع]
لا إشكال في أنّ المدار في المرجّحات المذكورة على واقعيّاتها بمعنى أنّ الشهرة الواقعيّة مرجّحة للمشهور ، وكذا مخالفة العامّة في الواقع .. وهكذا ، وعلم المجتهد طريق إليها ، فلو تخيّل أنّ راوي أحد الخبرين أعدل ولم يكن كذلك في الواقع ، فهو كما لو تخيّل عدالة الراوي مع عدم كونه عدلا ، فإنّ خبره ليس حجّة ، وهو مخطئ في اجتهاده ، نعم يستفاد من قوله عليهالسلام في المرفوعة «وأوثقهما في نفسك» أنّ المرجح الأوثقيّة في نظر المجتهد ، إلا أنّ الظاهر أنّه أيضا من باب الطريقيّة لا الموضوعيّة.
وبالجملة ؛ مسألة الترجيح كسائر المسائل في كون المدار فيها على الواقع ، وعلم المجتهد أو ظنّه طريق ، وحينئذ فإن انفتح باب العلم بالتراجيح المذكورة (١) فلا إشكال في أنّه يعمل بعلمه ، ومع عدمه يرجع إلى الأصل من التخيير أو غيره ، ولو حصل له الظنّ بأحد الأمور المذكورة ؛ إذ لا دليل على حجيّة هذا الظن إلا إذا قلنا بالتعدي عن المنصوصات ، وجعلنا المدار على كلّ مزيّة ، فإنّ كون أحدهما مظنون الترجيح مرجّح ، بل يمكن التسرية إلى الشك أيضا إذا اختصّ بأحدهما ، بأن يعلم عدم رجحان أحدهما على الآخر ، لكن يحتمل رجحان الثاني على الأول ، والظاهر أنّه يجوز العمل بإطلاق أخبار التخيير أيضا إذا أمكن نفي المرجّح المشكوك أو المظنون بالأصل ، كما لو كان الشك في أصل مرجحيّته ، وقد ذكرنا ذلك سابقا.
والحاصل أنّه ـ بناء على عدم اعتبار مطلق المزيّة ـ لو ظنّ وجود أحد المرجّحات المنصوصة ؛ فإن أمكن نفيه بالأصل فالمرجع إطلاقات أخبار التخيير وإلا فالمرجع الأصل.
وأمّا لو انسدّ باب العلم بكلّها أو بعضها ، كما ادّعاه بعضهم بالنسبة إلى الصفات ومخالفة العامّة والشهرة والشذوذ حسبما عرفت سابقا ، فهل يجوز التعويل على الظن أو لا؟ الوجه أن يقال : إن انسد باب العلم بها كليّة فهو راجع إلى انسداد باب العلم بالطريق ؛ لأنّ غالب الأخبار متعارضة ، وفي الغالب الأخبار للمرجحات (٢)
__________________
(١) لا توجد كلمة «المذكورة» في نسخة (د).
(٢) جاءت العبارة في (د) هكذا : وفي الغالب المرجحات موجودة في الواقع.