المقام الثالث (١)
في التعدي عن المرجحات المنصوصة وعدمه
قولان : قد عرفت من كلام الكليني عدم التعدي ، وهو لازم مذهب الأخباريّة ، بل هو المنسوب إلى جماعة منهم ، وصرّح به صاحب الوافية (٢) ، وصاحب الحدائق في الدّرر النجفيّة (٣) وفي مقدمات الحدائق (٤) ، واختاره في المناهج (٥) ؛ قال : وما للرعيّة الجاهل وتمييز روايات الإمام عليهالسلام بهذه الأوهام من دون رخصة فيه؟ بل مع النهي الصريح عنه ، كما في الرواية الرابعة عشر ـ وأشار إلى رواية العيون (٦) ـ.
والمشهور على التعدي إلى كلّ ما يوجب الأقربيّة إلى الواقع نوعا ، ويظهر من بعضهم التعدي إلى كلّ مزيّة وإن لم يفد الأقربيّة إلى الواقع ، ولا إلى الصدور ، مثل تقديم الحاظر على المبيح ، والناقل على المقرّر ، أو العكس ، ويظهر من بعضهم أنّ المدار الظن الفعلي بالواقع أو الصدور (٧) ، ويظهر من المحقق القمّي (قدسسره) أنّ المدار على الأقرب إلى الواقع نوعا ، إلا إذا حصل الظن الفعلي بالواقع مطابقا للآخر ، فالمدار عنده على الظن بالواقع فعلا مع وجوده ، ونوعا مع عدمه ، والأقوى التعدي إلى كلّ ما يوجب قوّة الطريق في (٨) طريقيّته النوعيّة ، سواء حصل منه الظنّ الفعلي بالواقع ، أو بالصدور أو لا ، بل وإن كان الظنّ الفعلي على خلافه ، إذا كان ذلك الظنّ حاصلا من الخارج ، من الأمور الغير المعتبرة عند العقلاء (٩).
ويحتمل في المسألة التفصيل بين صفات الراوي وغيرها ، ففي الصفات يقال
__________________
(١) كان المقام الأول في وجوب الترجيح ، والمقام الثاني في عرض روايات الترجيح ، وهذا هو المقام الثالث من الثالث.
(٢) الوافية : ص ٣٣٣.
(٣) الدرر النجفيّة : ١ / ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٤) الحدائق الناضرة : ١ / المقدمة الأولى منه.
(٥) مناهج الأصول : ٣١٧ ـ ٣١٨.
(٦) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٢١ ، ويحتمل إرادة رواية الحسن عن أبي بن حيون مولاه : ١ / ٢٩٠.
(٧) في النسخة : المصدور.
(٨) في نسخة (د) : إلى بدل كلمة في.
(٩) قوانين الأصول : ٤٤٠ ـ ٤٤١.