المقام الرابع (١)
في بيان أقسام المرجحات وذكر أحكامها
واعلم أنّ جميع المرجّحات راجعة إلى ثلاثة أنواع : لأنّها (٢) إمّا ترجح الصدور ، أو ترجح المضمون ، أو ترجح الأخذ والعمل ، وبعبارة أخرى إمّا توجب الأقربيّة إلى الصدور ، أو الأقربيّة إلى الواقع ، أو لا تفيد الأقربيّة ، بل توجب رجحان الأخذ بأحد الخبرين في مقام العمل.
فالنوع الأول خاص بالظنيين ؛ إذ لا يتعقل الترجيح الصدوري بعد قطعيّتهما من حيث الصدور.
والثاني شامل للقطعي والظنّي ؛ مثل مخالفة العامّة وموافقة الكتاب ، حيث إنّهما يجريان في الظنّيين والقطعيّين والمختلفين.
والثالث أيضا كذلك مثل موافقة الأصل ـ بناء على الترجيح به وكونه تعبّديا ـ ومثل تغليب الحرمة على الوجوب ، وترجيح المؤسّس على المؤكّد ، ونحو ذلك ؛ فإنّها لا تفيد قوّة في الصدور على فرض كون الخبرين ظنيّين ، ولا قوّة المضمون ، بل معنى الترجيح بها كونها موجبة لرجحان الأخذ بأحد الخبرين.
ويمكن منع اعتبار هذا القسم من المرجّح ، إذ لا معنى للترجيح بما لا يوجب قوّة في أحد الخبرين ـ لا صدورا ولا مضمونا ـ فهي مرجع لا مرجّح.
وبلحاظ آخر تنقسم : إلى ما يرجع إلى السند ، وما يرجع إلى المتن بالمعنى الأعم من اللفظ والمضمون ، وما يرجع إلى أمر خارج عن الخبر ، والتقسيم الأول بلحاظ مورد الرجحان ، والثاني بلحاظ مورد المرجّح ، فمورد المرجّح إمّا سند الخبر من صفات الراوي ، وكيفيّة الرواية من المشافهة وغيرها ممّا يذكر بعد ذلك ، وإمّا متن الخبر أي نفسه من لفظه ومدلوله ، فالمرجّح المتعلّق باللفظ مثل الفصاحة وعدم الاضطراب ، والمرجّح المتعلّق بالمدلول مثل النقل باللفظ ، ومثل مخالفة العامّة
__________________
(١) هذا هو المقام الرابع من المقام الثالث إلا وهو الترجيح.
(٢) أي ذات المرجحات.