أوسع في اللفظ أيضا ، بيان ذلك : إنّه قد يقال إنّ قوله «التيمم وضوء» يكشف عن أنّ المراد من قوله «لا صلاة إلا بوضوء» أعم من الوضوء الحقيقي والتنزيل ، فيكون توسيعا في اللفظ ، وقد يقال ـ وهو التحقيق ـ إنّ المراد من قوله «لا صلاة إلا بوضوء» هو الحقيقي لكن الشارع أضاف إليه ـ بدليل التنزيل ـ شيئا آخر وهو التيمم لا بعنوان التخصيص ورفع اليد عنه ، بل بلسان تقرير العموم على حاله وإقامة شيء آخر مقام بعض أفراده ، نعم يكون تخصيصا في عالم اللب ، فعلى الوجهين لا يكون التنزيل من التعارض.
ثالثها : باب الورود
وهو أن يكون أحد الدليلين واقعا لموضوع الآخر حقيقته ، وهو تخصص في المعنى ؛ إلا أنّه أخص منه ، فإنّ التخصص قد يطلق على ما إذا كان موضوع كل من الدليلين مغايرا لموضوع الآخر ، وكان خارجا عنه من الأول كما إذا قال : أكرم العدول ولا تكرم الفساق ، فإنّ خروج الفسّاق من الأول ، والعدول من الثاني (١) من باب التخصص ، ولا يطلق عليه الورود ، وقد يطلق أيضا على ما إذا كان ارتفاع موضوع الدليل العام الخارجي لغير المستفاد من الدليل ، كما إذا قال : إذا شككت فابن على كذا ، فزال شكّه من الخارج لا بسبب ورود الدليل ، فلا يكون دليل هناك يطلق عليه اسم الوارد.
ثمّ إنّ ورود أحد الدليلين على الآخر قد لا يكون بجعل من الشارع ، كما إذا ارتفع الشك الذي هو موضوع الأصول بسبب الدليل المفيد للعلم بالواقع ، فإنّ العلم لا يحتاج إلى الجعل ، وقد يكون بجعل الشارع كما إذا كان موضوع الأصل الحيرة ، وكان هناك دليل ظنّي مثبت للحكم الواقعي ، فإنّه ـ مع قطع النظر عن جعل الشارع ، وحكمه باعتبار ذلك الدليل ـ لا يرتفع التحير الذي هو موضوع الأصل ، لكن بعد جعله إيّاه حجّة يرتفع حقيقة ، إذ لا تبقى حيرة بعد وجود ما جعله الشارع طريقا للواقع ، وهذا هو الفرق بين الحكومة والورود ، فإنّ في الحكومة لا يرتفع الموضوع إلا جعلا وتنزيلا كما إذا جعلنا موضوع الأصل الشك في الواقع لا التحير وعدم البيان ،
__________________
(١) لا توجد هذه الكلمة «من الثاني» في نسخة (ب).