التورية صدق حتى يجب العدول إليها للتحرز عن الكذب أو لا ، فيكون الإشكال في الموضوع ، وأنّ التورية صدق أو لا ؛ فلا يجوز إثباته بخبر الواحد.
قلت : إنّا لا نريد (١) إثبات الكلام النفسي بذلك ، إذ هو أجنبي عن التورية ـ كما عرفت ـ بل غرضنا إثبات أنّ التورية صدق ، وأنّها ليست محالا ، ومن المعلوم أنّ ذلك يثبت بخبر الواحد ، إذ هو وإن كان من الموضوعات إلا أنّ الحكم الشرعي الكلي يتوقّف عليه ، وهو وجوب العدول عن الكذب إليها ، والموضوعات (٢) الخارجيّة التي تكون من هذا القبيل تثبت بخبر الواحد ؛ مع أنّ الحق أنّ الخبر الواحد حجّة في الموضوعات مطلقا ، على ما بيّن في محلّه ، مع أنّ الأخبار في المقام مستفيضة ، بل يمكن دعوى كونها أكثر ممّا ذكرنا ، يظهر ذلك لمن تتبع [...](٣).
وممّا يمكن الاستدلال به : قوله عليهالسلام لمّا سأله بعض أهل العراق وقال : كم آية يقرأ في صلاة الزوال؟ فقال عليهالسلام : «ثمانين» ، ولم يعد السائل فقال عليهالسلام : «هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك» ، فقيل : ما أردت بذلك؟ وما هذه الآيات؟ فقال عليهالسلام : «أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال ، فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيدان على عشر آيات (٤) ، ونافلة الزوال ثمان ركعات» (٥).
وذكر الشيخ في الرسالة (٦) أنّه ورد مستفيضا أنّه لا يجوز ردّ الخبر ولو كان ممّا ينكر (٧) ظاهره ، حتى إذا قال للّيل إنّه نهار والنهار إنّه ليل (٨) ، وعلّل فيها بأنّه يمكن أن يكون له محمل ، ولم يتفطّن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر ، فهذه تدلّ على جواز إرادة خلاف الظاهر من غير نصب قرينة ، ومن المعلوم أنّه من قبيل التورية
__________________
(١) في النسخة المعتمدة هكذا : نذير ؛ والصواب ما كتبناه.
(٢) في النسخة : الموضوعيات.
(٣) كلمتان غير واضحتين : ويحتمل أن تكونا : نافلة الزوال. ولا يوجد منهما أثر في نسختي (ب) و (د).
(٤) في المصدر هكذا : فإنّ الحمد سبع آيات وقل هو الله أحد ثلاث آيات فهذه عشر آيات.
(٥) الكافي : ٣ / ٣١٤ حديث ١٤ ، الوسائل : ٦ / الباب ١٣ من أبواب القراءة ، حديث ٣.
(٦) فرائد الأصول : ٤ / ١٣٢.
(٧) لا توجد كلمة «ينكر» في نسخة (د).
(٨) بحار الأنوار : ٢ / ١٨٧ حديث ١٤.