وفي الدّرر النجفيّة من أنّه لا يشترط في الحمل على التقيّة الموافقة لمذهب العامّة ، لما يظهر من الأخبار من أنّهم عليهمالسلام يلقون الخلاف بين الشيعة حقنا لدمائهم.
قال في الدّرر النجفيّة (١) : المشهور بين أصحابنا تخصيص الحمل على التقيّة في الأخبار بوجود قائل بين العامّة بذلك ، والذي يظهر لي من الأخبار خلاف ما هناك وهو أنّهم يوقعون الاختلاف بين الشيعة وإن لم يكن ثمّة قول للعامّة ، فمن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي (٢) في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن مسألة فأجابني فيها ، ثمّ جاء رجل آخر فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثمّ جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا بن رسول الله صلىاللهعليهوآله : رجلان من العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال : «يا زرارة إنّ هذا خير لنا ولكم ، فلو اجتمعتم على أمر لصدّقكم الناس علينا ، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم ، قال : ثمّ قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال فأجابني بمثل جواب أبيه عليهالسلام».
أقول : (٣) انظر إلى صراحة هذا الخبر واختلاف أجوبته عليهالسلام في مسألة واحدة في مجلس واحد ، وتعجب زرارة ، ولو كان الاختلاف إنّما وقع لموافقة العامّة لكفى ، جواب واحد بما هم عليه يومئذ ، ولما تعجّب زرارة لعلمه بفتواهم عليهمالسلام أحيانا بما يوافق العامّة تقيّة ، وانظر إلى صراحة جوابه عليهالسلام في تعليل الاختلاف بما يؤيد ما قلناه من أنّهم خالفوا بين الشيعة لئلا يصدقهم العامّة عليهم ، بل يكذبوهم في روايتهم ذلك عنهم عليهمالسلام ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين كلّ ينقل عن إمامه خلاف ما ينقله الآخر يستخفّ بمذهبهم (٤) في نظر العامّة وكذّبوهم في نقلهم ، ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين ، وهانوا في نظرهم ؛ بخلاف
__________________
(١) الدرر النجفيّة : ٢ / ٣١١.
(٢) الكافي : ١ / ٦٥ حديث ٥.
(٣) في نسخة (د) : أقول فيه.
(٤) في النّسخ : يستخف به مذهبهم.