ولا يعارضه احتمال التقيّة فيه دون الأول ؛ لأنّ الترجيح بهذا الاحتمال إمّا للنص أو للقاعدة ، أمّا النص فمختصّ بصورة كون محتمل التقيّة موافقا للعامّة ، والآخر مخالفا والمفروض في المقام العكس.
وأمّا القاعدة ؛ فلأنّ الظنّ الحاصل من المخالفة أقوى من هذا الاحتمال ؛ فتأمّل! فإنّ الترجيح بالمخالفة إنّما هو من باب غلبة البطلان في أحكامهم ، وباحتمال التقيّة أيضا من باب غلبتها ، فكلّ منهما ناش من الغلبة ولا أقوائيّة لإحدى الغلبتين ، فبناء على التعدي عن المنصوصات يحصل التعارض بين الوجهين ، نعم بناء على عدم التعدي يقدم الخبر المخالف ؛ لما مرّ من إطلاق النص.
الأمر السابع : [لو دار الأمر بين التقيّة والمعنى التأويلي أو المجاز]
قد أشرنا سابقا إلى أنّ الخبر الصادر تقيّة أو المحمول عليها ، سواء كان له معارض أولا ؛ لا يؤخذ بمعناه التأويلي ، وإن كان قريبا بل متعيّنا ، وقلنا بوجوب التورية إلا أن تكون التقيّة في إلقاء الظهور لا في أصل الصدور ، فما حكاه في الجواهر (١) عن بعض مشايخه من أنّ الخبر إذا صدر تقيّة في وجوب أو تحريم يحمل على إرادة الندب أو الكراهة لا وجه له ، لا لما ذكره في الجواهر من أنّ الأصل الحقيقة ؛ وذلك لأنّ أصالة الحقيقة إنّما تنفع إذا أمكن الأخذ بها ، وفي المقام لا يمكن ؛ لأنّ المفروض صدوره تقيّة فلا يؤخذ بظاهره ، مع أنّه مبنيّ على عدم احتمال التورية ، وهي محتملة إن لم نقل بوجوبها ، بل لما عرفت من أنّ الصدور إذا كان عن تقيّة فلا دليل على إرادة المعنى المجازي الذي يكون حكما شرعيّا ، لاحتمال عدم مجاز يطابق الحكم الشرعي ، أو كون الحكم الشرعي مطابقا للمجاز البعيد.
نعم ؛ هاهنا كلام وهو : إنّه لو دار الأمر بين الحمل على التقيّة وبين الحمل على المعنى المجازي كالاستحباب والكراهة فيما ظاهره الوجوب أو الحرمة ، بعد العلم بعدم إرادة الظاهر ؛ فهل يحمل على التقيّة أو المجاز؟ وجهان : أقواهما الثاني ؛ لأنّه مقتضى كون الأصل في الدليل الإعمال (٢) ، مع أنّ الأصل عدم وجود سبب التقيّة
__________________
(١) جواهر الكلام : ١٢ / ٩.
(٢) إذ أنّ إرادة التقيّة منه يعني عدم إرادة الحكم الواقعي فيعني عدم الإعمال له.