والأصل إرادة (١) بيان الحكم الواقعي ؛ لأنّ الظاهر من حال المتكلّم ذلك ، وهذا الأصل غير أصالة الحقيقة المقطوع بعدم إرادتها بالفرض ، كما لا يخفى.
مضافا إلى إمكان دعوى أشيعيّة (٢) المجاز من التقيّة في الأخبار ؛ بل يمكن أن يقال : إنّه إذا كان ذلك في الخبرين المتعارضين فهو راجع إلى الجمع الدلالي المقدّم على الرجوع إلى المرجّحات ، وإن كان يمكن منعه ؛ لأنّ مجرّد العلم بعدم إرادة الظاهر لا يخرج الخبرين عن التعارض الذي هو ملاك الجمع الدلالي ، إذ المسلّم منه ما إذا كان أحد الخبرين نصّا أو أظهر من حيث هو ، والآخر ظاهرا كذلك ، لا بملاحظة حصول العلم من الخارج بعدم إرادة ظاهره على أنّه حكم الله الواقعي ، كما هو المفروض.
وعلى ما ذكرنا فمورد الترجيح بمخالفة العامّة ، والحمل على التقيّة إنّما هو فيما لم يعلم عدم إرادة الظاهر من الخبر الموافق ، بأن يكون كلّ من الخبرين محتمل التأويل والعدم ، وزيادة (٣) احتمال التقيّة في الخبر الموافق ، والمقام ليس كذلك ، لا لعدم احتمال التأويل في المخالف ؛ لأنّه أيضا محتمل له في حدّ نفسه ؛ بل للعلم بعدم إرادة الظاهر في الموافق ، فتعين (٤) التأويل فيه ، أو حمله على التقيّة ، فيبقى الخبر الآخر لا مانع من الأخذ بظاهره ، وهذا بخلاف ما إذا لم يعلم عدم إرادة ظاهره ، فإنّه لا يتعيّن فيه طرح الظاهر ، ليبقى الآخر بلا معارض ، فيجب إعمال المرجّحات فتدبّر.
الأمر الثامن : [هل يشترط شذوذ الخبر الموافق في الترجيح بمخالفة العامّة]
حكي عن المفيد قدسسره أنّ الترجيح بمخالفة العامّة إنّما يكون إذا كان الخبر الموافق شاذا والمخالف معمولا به عليه (٥) بين الأصحاب ، وهذا الكلام بظاهره مختلّ النظام ، إذ لو أريد من الشاذّ ما لا يكون بالغا حدّ الحجيّة بأن يكون موهونا بإعراض
__________________
(١) لا توجد كلمة «إرادة» في نسخة (د).
(٢) المراد أنّ إرادة المجاز أكثر شيوعا في الأخبار من التقيّة.
(٣) في نسخة (د) : وزاد.
(٤) في نسخة (د) : فيتعين.
(٥) هكذا في النسخة ؛ والظاهر زيادة «عليه».