كما إذا فرضنا أنّ مفاد أحد الخبرين وجوب إكرام زيد والآخر حرمته ، وكان في الكتاب أكرم العلماء ، ولا تكرم فسّاقهم ، وكان زيد عالما فاسقا ، فالظاهر أنّه مرجح الثاني ؛ لأنّ العام الثاني مقدم على الأول ، لأنّه أخصّ منه ، وكذا إذا كان أحدهما موافقا لمطلق والآخر لعام ، فإنّ الثاني مقدّم ، لأنّ العام مقدم على المطلق ، وهكذا بالنسبة إلى سائر أقسام المعارضات الدلاليّة بالنسبة إلى الآيتين.
والميزان الكلي كون أحد الخبرين موافقا لما لو لم يكونا في البين كان هو المرجع ، بناء على القول بحجيّة الكتاب ، وعلى هذا فلو فرضنا أنّ النسبة بين الآيتين عموم من وجه ، وبنينا على تقديم إحداهما بجهة من الجهات ، فالخبر الموافق لها مقدّم على الخبر الموافق للأخرى.
ودعوى : أنّ الإمام عليهالسلام أرجع في صورة موافقة الخبرين للكتاب إلى مرجح آخر حيث قال الراوي : أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه في الكتاب والسنّة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا ؛ بأيّ الخبرين يؤخذ؟ قال : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» (١) ، ومقتضى إطلاقه أنّ مجرّد الموافقة مسقط لهذا المرجح وإن كانت إحدى الآيتين مقدمة على الأخرى في مقام الأخذ.
مدفوعة : بأنّ المنساق منه ما إذا كانتا في عرض واحد ، لا ما إذا كان أحدهما خاصا والآخر عاما ، أو مقيدا والآخر مطلقا ، أو منطوقا والآخر مفهوما .. إلى غير ذلك. كيف؟ ولو لم يكن كذلك سقط الترجيح بموافقة الكتاب في غالب المقامات لموافقة الخبر الآخر أيضا لواحد من العمومات الأوليّة في الكتاب.
السادس : [فرض عدم كفاية موافقة أحد الخبرين للمطلقات] لا يكفي في الترجيح موافقة أحد الخبرين للمطلقات التي ليست إلا في مقام الإهمال وبيان أصل التشريع ، إلا إذا كان مفاد الخبر أيضا كذلك ، كما لا يخفى ، وكذا لا يكفي الموافقة للآية المنسوخة.
السابع : [إذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب على إحدى القراءات] إذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب على إحدى القراءات ؛ ففي كفايته للترجيح وجهان : مبنيّان على تواتر القراءات وعدمها ، وحجية كل واحدة وعدمها ،
__________________
(١) هذا مقطع من مقبولة عمر بن حنظلة التي رواها المشايخ الثلاثة : الكافي : ١ / ٦٧ ـ ٦٨ حديث ١٠ ، الفقيه : ٣ / ٨ ـ ١١ حديث ٣٢٣٣ ، التهذيب : ٦ / ٣٠١ حديث ٨٤٥.